خاص بالموقع
في شخصه النبيل اجتمعت نقدية المثقف, ونزاهة السياسي,
وخبرة الممارس الميداني, وأخلاق المناضل الحزبي كما ينبغي أن يكون: متواضعا, زاهدا
في المواقع ومبدئيا في المواقف.. ولذلك ففي فقدانه خسارة كبرى لا يعوضها غير ا لإستلهام لسيرته الذاتية كمثقف وباحث ميداني وأستاذ ومكون
ومربي وكمسؤول سياسي حزبي قيادي , و التمثل العملي والأخلاقي لها .
لقد ربط فقيدنا بشكل نموذجي بين السياسة وبين المعرفة من جهة ,
وبينها وبين الأخلاق من جهة ثانية , وذلك بالضبط ما شكل مضمون " هويته الشخصية
" , في زمن تسارعت فيه وتيرة التدني ل " السياسي " بفعل اتساع الفجوة
بينه وبين المعرفي والأخلاقي لعوامل موضوعية وذاتية ليس المجال متاحا هنا لتحديدها
وتناولها بالتحليل
..
ولعل من بين مكونات هوية فقيدنا الثابتة في فكره
وسلوكه الإيمان بالحوار في تدبير جميع القضايا
الخلافية الكبرى , قال فقيدنا في سنة
1997 في إحدى المناظرات : " أعتقد أنه يجب التعامل مع القضايا مثل المرأة , مثل
الحداثة , مثل مسألة العلمانية والثورة العلمية والتكنولوجية لا من منظور سياسوي ,
بل من منظور يقدر المسألة حق قدرها... وأعتقد أن هناك الكثير والكثير الذي يمكن لهذا
المجتمع أن ينجزه بطرق وفاقية وحوارية " .
ما أحوجنا اليوم في ظل الضجيج السياسوي السائد, والنقاشات " المتوحشة
" في غالب الاحيان لتلك القضايا التي أشار إليها فقيدنا إلى العمل بهذه الروح
" الوفاقية والحوارية" لما فيه مصلحة وطننا وتقدمه الديمقراطي والتنموي
وهو المهووس بالمعرفة كحفر في الميدان لا كتأمل
في انعزال , ظل يوصي رحمه الله بتطوير البحث السوسيولوجي , و الإ هتمام بسؤال مستقبل
درس السوسيولوجيا , قال في 2009 أمام جمهور من المهتمين في حفل تكريمه من طرف جمعية
أصدقاء السوسيولوجيا : " لدي توصيتان : أن يقع مجهود لإنجاز بحث واسع حول مهنة
السوسيولوجيا , ماذا حدث للطلبة اللذين مروا من الشعبة الأصل والشعب التي جاءت بعدها
, ماذا حدث لأساتذتها ؟ .... " والتوصية
الثانية عقد ندوات فكرية مختلفة وفتح نقاش
حول تدريس السوسيولوجيا , كيف يمكن أن نطورها ..؟ "
غادرنا الفقيد ومازالت السوسيولوجيا محتاجة لخبرته
كباحث ومدرس , غادرنا السي محمد والسياسة في
أشد الحاجة إلى نزاهته وتواضعه ونكران ذاته
وقبل ذلك وبعده ,إلى روحه الديمقراطية المتأصلة فيه قولا وفعلا و تدبيرا للعلاقات.. غادرنا
ا ولكنه لن يموت فينا : ستظل روحه و
سمات شخصه و إنجازاته التي بصمت عقول ونفوس أجيال من طلبته
منذ نهاية الستينيات والتي أعطت لحزبه , الذي ظل وفيا له حتى في أقسى المحطات معنى أن يكون ديمقراطيا اشتراكيا وحداثيا .. وذلك هو عزاؤنا فيك أيها الفقيد المنارة ..
0 التعليقات: