الحياة قصيرة جدا.. والقصيدة أطول منها..
الشاعرعبدالسلام المساوي
1ــــ ماذا يعني بالنسبة لك الإحتفاء باليوم العالمي للشعر؟
كانت النية ـ غداة قيام شعراء المغرب بحملة ديبلوماسية لإقرار يوم عالمي للشعر ـ تتجه إلى إعادة الاعتبار لهذا الفن الرفيع، وكنا نعتقد أن مرور الوقت والسنوات على هذا الإقرار سيحدث لا محالة تأثيرا إيجابيا على سوق الشعر وأحواله على مستوى التداول، وسيحظى الشعراءونقاد الشعر ـ تبعا لذلك ـبالمكانة الاعتبارية التي يستحقون..
لكن يظهر أن قدر الشعر أن يبقى مرتبطا بالنخبة شعراء وقراء، ما دام فنا عصياً على التدجين رافضاً أن تنحدر لغته إلى مهاوي المباشرة لكي ترضي أعداء الإيحاء والرموز.. سأقول بهذه المناسبة: لقد ضمنَّا على الأقل حماية الشعر من الانقراض بإقرار يوم لتذكر القصيدة وأحوالها. وأجمل من ذلك أنني أسعد بهذه المناسبة التي قرنت بين يوم عالمي للشعر ويوم كوني لبداية الربيع فصل الجمال الطبيعي المطلق. وللشاعر ـ إذن ـ فرحتان: فرحة بالقصيدة وهي تزدان في عرسها السنوي، وفرحة بعودة الربيع الطلق يختال ضاحكا (كما يقول البحتري).
2ــــ كيف ستحتفي قصيدتك بربيعها العالمي في سياق الربيع العربي؟
ليست هناك علاقة مباشرة بين ربيع القصيدة وبين الربيع العربي.. لسبب واحد قد يكون الربيع العربي من منجزات القصائد والفنون السابقة والأحداث السابقة.. وعلى القصيدة ألا تحدثنا عما حدث، وإلا فقدت كنهها وروحها. علينا أن نعبئ القصيدة بما ينبغي أن يحدث..
3ــــ في رأيك كيف يستطيع اليوم العالمي للشعرترميم الخراب في القيم الإنسانية الجميلة التي مسخها هذا التعطش المادي المستفحل في علاقاتنا الإجتماعية اليومية ؟
لا أجد أفضل من أن أجتزئ فقرة من كلمة الشاعر المغربي، كنت قد كتبتها بطلب من بيت الشعر في المغرب سنة 2006 لتدرج في الأمسيات الشعرية المحتفية باليوم العالمي للشعر:
هكذا أنت أيها الشعر متضايق من ضجيج بقية الأيام، فهل تكفي دورة العام لكي نجلك، هل يكفي أن نغفر للحبر الذي تأخر عن مجدك، وهل يكفي عمر الشعراء كلهم لكي نقنعك بأننا حطب في شهوات حريقك•• فلا تخذلينا، أيتها القصيدة ولا تتسكعي في دروب المحبطين• كوني رعشة توقظ في الأيام دهشة الشمس وغربة الرياح، وتجاوبي مع سمفونية الأشجار وضيوف أفنانها من طيور الحساسين•• كوني دبيبا يفتح شهية الناس كي يقبلوا على عرس الحياة الذي لطالما أرجأته طقوس الجنازات المشتعلة ـ الآن ـ في كل مكان، بسبب الحروب الطاحنة وعلو طقطقات زناد البنادق، وأزرار الحواسيب المبرمجة على تعقب الحب، واغتيال الخيال• العالم ـ أيتها القصيدة ـ يوجد الآن على شبر من فنائه، فناء تدعمه وسائل التكنولوجيا التي صنعها الانسان بنفسه، ويخصبه عناده الذي عطل مشاعره، فصار مخلوقا غريبا لا يحكمه توجه، ولا يلجمه موقف نبيل بإحياء الأمل في إدراك المحبة والسلم• فهل فقدت ـ أيتها القصيدة ـ سلطتك المستمدة من النصوص الهائلة التي أبدعها كبار المبدعين من عهد جلجامش الى عهد محمود درويش، تلك النصوص التي علمتنا أن الجمال دستور أبدي لتأسيس سعادة البشر فوق هذا الكوكب الأرضي المخذول؟! وأنت أيها الشاعر، كيف سمحت لهم بأن ينتزعوك من سماوات الفرح الباسقة•• تلك المزدانة بتسابيح الملائكة الملونة الداعية الى تمجيد الحب ومحو الألم، والمرصعة بأطياف الصور الأخاذة التي إن رأتها عين تفسخت في عشقها، وان سمعتها أذن لاذت بسحر شبابات الأنبياء! فما أحوج الشعر ـ في يومه العالمي هذا ـ الى أقلام تجبر أعطابه المتراكمة، وتعيد للحرف نسغ الروح الذي طوحت به الدورة الرقمية، وجففت مياهه نزوات المرض والفراغ• وما أحوج الشعراء على اختلاف مدامعهم، الى نجدة أنفسهم، قبل أن تتوقف الموسيقى، ويجف نبع البلاغة: أية بلاغة كانت، بلاغة جدتهم الاستعارة، أو بلاغة حفيدتهم قصيدة النثر••• وقبل أن ينسحب الشعر تماما من حياتهم لتطبق الشاشة عليهم، وتصبح الأزرار تحت أصابعهم قنابل تقتل حياتهم وحروفهم؟! إن اليوم العالمي للشعر هو يوم لترميم ما تعطل من الوجدان..
4ــــ إلى أي حد أسهم الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي في الإرتقاء بعلاقاتك الشعرية ؟
كنت من بينالأوائل من حاولوا جعل الأنترنيت في خدمة الشعر وقد سبقني طبعا الشاعر البحريني قاسم حداد بتأسيسه لموقع (جهة الشعر) ومصطفى فهمي وبعض شباب مراكش الذين أطلقوا موقع (الذبابة)، ولعلك تذكر معي أنني صممت موقعا للشعر المغربي في أواخر 1999 سميته حينئذ (مجازات 2000) نشرت فيه كثيرا من نصوص الشعراء المغاربة وبعض الحوارات معهم وكذلك بعض المقاربات النقدية. لقد كنت مقتنعاً بأن هذا الوليد الجديد الذي يسمى الأنترنيت لا بد أن يكون وسيلةً جاد بها الفكر البشري لتكون في خدمة الناس؛ ولما كان الشعر يشكو من ضيق الأحياز الورقية التي يظهر عبرها، فقد صار الأنترنيت فضاء رحبا لاستيعاب النصوص الشعرية بلا شروط أو قيود.
لقد تطور هذا المجال بتطور مواقع التواصل الاجتماعي وصار بمقدور الشعراء أن يلتقوا متى شاءوا. وشخصيا أستفيد كثيرا من هذا العالم الافتراضي اللانهائي عبر تواصلي مع زملائي في كل مكان ومع محبي الشعر وقرائه، خصوصا عبر الفايسبوك الذي يتيح طرقا مبهرة في عرض المواد والتواصل المباشر وترك رسائل وغيرها.
5ــــ كلمة أخيرة للشعراء في هذا العيد العالمي ؟
أقول لزملائي:
الحياة قصيرة جدا.. والقصيدة أطول منها..
والحب إذا لم يمر عبر القصيدة فإنه حتما سيفتقد إلى الحرارة.. لذلك علينا أن نتشبث بالقصيدة كتابة وعيشا.. فهي أفضل الدساتير التي تسيل من أجلها الدماء.. وليست العبرة ببلوغ النجومية في كتابة الشعر، ولكن العبرة ببلوغ الشعر.. لذلك، ليكن اليوم العالمي للشعر محطة زمنية للتوقف من أجل التأمل وللإجابة الصريحة عن هذا السؤال: لماذا أضطر لكتابة الشعر؟؟
الحياة قصيرة جدا.. والقصيدة أطول منها..
0 التعليقات: