محمد الشغروشني ناقد مسرحي وسينمائي
أطروحات الثقافة الأمازيغية بين الائتلاف والاختلاف
يصعب الحديث عن المكون الأمازيغي باعتباره أحد مرتكزات الهوية المغربية
من غير ما استحضار للتحولات الكبرى التي عرفها المشهد الثقافي والسياسي المغربي، انطلاقا
من تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وإفساح المجال السمعي البصري لها، وإدراجها
ضمن المنظومة التربوية بالسلك الابتدائي، وأخيرا تضمين اللغة الأمازيغية ضمن الدستور
المغربي الجديد إلى جانب اللغة العربية كلغتين رسميتين للبلاد.
ولئن كانت هذه الإنجازات هي من صلب المطالب التي
ظلت تناضل من أجلها النخب السياسية والفكرية والثقافية المناصرة للقضية الأمازيغية،
فإن الساحة المغربية كانت ولازالت تعيش تجاذبات تتراوح بين المؤتلف مع الدولة الحديثة
والرامي إلى المأسسة والديمقراطية والعمل وفق المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق
الإنسان
، علما من الفاعلين
في هذا الاتجاه بأن من طبيعة الكون والإنسان التغير والتبدل، وقد أتى على الأمازيغية
حين من الدهر لم تعد معه لغة التبادل والتداول الاقتصادي والثقافي والسياسي، بالنظر
للتحولات التي عرفها المغرب قبل الاستعمار الفرنسي وبعد الاستقلال، ذلك أن التحول من
نمط العيش الفلاحي الرعوي في القرى والأرياف في حضن القبيلة أو اتحاد قبائل استنادا
إلى الأعراف المرعية،قد استبدل بأنماط عيش بديلة تتأسس على الصناعة والتجارة والخدمات
وسط فضاءات حضارية اتخذت اللغة العربية لغة للتواصل والتمدرس والعلم والمعرفة.
وبغض النظر عن كون هذه التبدلات كانت طوعا أو كرها،
فإن الثابت تاريخيا أن ما حدث قد ساهمت فيه أطراف عديدة وتوجهات إيديولوجية أصبحت ـ
أو تكاد ـ في ذمة التاريخ. وبالتالي فقد توجهت بعض مؤسسات المجتمع المدني إلى التعاطي
مع المكتسبات، تروم تدعيمها وتثبيتها على أرض الواقع، وإن كان المطلوب منها حاليا أن
تلعب أدوار القوة الاقتراحية فيما يخص القوانين الخاصة بتنزيل النص الدستوري، وبما
يستجيب لانتظارات النخب المغربية المؤمنة بالحداثة والوحدة في ظل تعددية مكونات الهوية
الوطنية، ومواجهة المد الفرنكوفوني، حيث لازالت اللغة الفرنسية تفرض هيمنتها على المجال
الاقتصادي والثقافي والإعلامي ودواليب الدولة ومؤسساتها، مما يجعل اللغتين المدسترتين
ـ العربية والأمازيغية ـ على الهامش.
أما الاتجاه المختلف فيبني أطروحته على نقض إيديولوجبا
التعريب، والدعوة إلى الانفصال تارة والاستئصال تارة أخرى، متبنيا عن وعي أو غير وعي
أسطورة نقاء الأجناس في إطار أحلام طوباوية متعالية عن الواقع المغربي، ويتجلى ذلك
من خلال النقاط التالية:
•إلغاء السيرورة التاريخية
الناهضة أساسا على الثوابت والمتغيرات،سواء تم ذلك بتدخل العوامل الخارجية أو الداخلية،
الموضوعية أو الذاتية.
•طبيعة التعايش السلمي
الأمازيغي العربي والممتد لقرون عديدة من الزمن، بضمان الوحدة الدينية والوطنية والسياسية.
•التمازج الدموي واختلاط
الأنساب الأمازيغية والعربية، والتداخل اللسني الفائم عبر اللغة المحكية قرويا وحضريا
على امتداد الرقعة الجغرافية للوطن.
•كون العديد من القبائل
الأمازيغية قد تعربت، وبالمقابل هناك قبائل قد تمزغت، مما يجعل من مقولة الانفصال وهما
يدحضه الواقع.
•تبني أطروحات تغريبية
خارجة عن السياق المغربي، باعتبار أن المسألة الأمازيغية ذات خصوصية تختلف في جوانب
عدة عن مثيلاتها في دول أخرى، وإن كانت تشاركها في المبادئ الإنسانية الكبرى مثل الحقوق
الثقافية واللغوية.
وبالتالي فإن هذا الاتجاه لا يعدو كونه رد فعل وقتي،
تغذيه حسابات معينة، ليس من ضمن اهتماماتها الحفاظ على وحدة المواطنين والدفاع عن قضاياهم
العادلة بمنظور علمي وواقعي، متناسية في نفس الآن بأن في عقل وجسد وقلب كل مواطن مغربي
شيء بل أشياء من تمازيغت لايمكن تناسيها أو التفريط بها لغة وثقافة وحضارة ووجودا.
0 التعليقات: