أكتــبُ لِأُسَمّــــِي وهذا هو رِهاني الشِّعريّ اليوم
صلاح بوسريف شاعرمن المغرب
1ــــ ماذا يعني بالنسبة لك الاحتفاء باليوم العالمي للشعر؟
ـ الاحتفال، هو، دائماً فرصة للفرح، أو لاسترجاع بعض الأشياء التي كانت حدثت وتَمَّ نِسْيانُها، أو تجاهُلُها. حين فكَّرْنا يَوْمٍ عالميٍّ للشِّعر، في ” بيت الشِّعر في المغرب “، في لحظات التأسيس، بما تعنيه الكلمة من عُمْق، ورغبة في تشييد معرفة شعرية جديدة، يصير فيها الشِّعر أحد أُسُس الثقافة الراهنة، كان الشِّعر، آنذاك، في المغرب، وفي العالم العربي، بشكل خاص، لا يحظى بدعم المؤسسات الثقافية، أو مؤسسات المعرفة. الرواية، صارت هي خطاب الجامعات والندوات واللقاءات، ولأطارح الجامعية.
فعندما تعود لمجلة اتحاد كتاب المغرب، مثلاً، ستجد أنها عَمِلَت أكثر من عدد عن الرواية، في حين أبعدت الشِّعر من اهتمامها، ولم تكن تتيح له سوى ما هو مألوف من صفحاتٍ. وحتى في مستوى الندوات واللقاءات، حَدَثَ نفس الشيء. فالعودة للشِّعر، والاحتفاء به، وإثارة الانتباه له، ولِمَا يَتَعرَّض له من إقصاء، كان ضمن ما جعلنا نعمل على وضع سياسة ” شعرية “، بالفعل أعادت الاهتمام بالشِّعر، آنذاك. ومن يعود لهذه الفترة، وأعني فترة التأسيس،
أي السنوات الأربعة الأولى، سيلاحظ ماذا حدث في نشر الشِّعر، وفي اللقاءات الشِّعرية، وفي الاحتفاء بتجارب الشعراء المغاربة، واهتمام الإعلام بالشعر المغربي، وأيضاً ما كان من إقبال على الشِّعر، في المهرجان العالمي، قبل أن يصير فارغاً من محتواه، أو غنيمةً شخصيةً لأحد المؤسسين، حين انْسَحَبْتُ من البيت.
اليوم الشِّعر يعيش وضعية صعبة، وهذا يظهر في عزوف الناشرين على نشر الشِّعر، وأيضاً البؤس الذي يعيشه ” بيت الشعر “، منذ تمَّ احتلالُه من قبل من تنقصهم القدرة على استشعار ما يحتاجه العمل الجمعوي من أفق في التفكير والنظر، وتحويل هذه المؤسسة إلى بيتٍ لأسماء هي نفسها التي تتكرر في كل مكان، وأيضاً ما يتعلق بالنشر، الذي لا يخضع لمعايير واضحة، أو إعلان عن الرغبة في النشر في الصُّحُف. كل شيء يمرُّ من تحت الطاولة، بالأسف !
هذا ما يجعلني اليوم، أرى في اليوم العالمي للشعر، احتفالاً بشعراء دون شُعراء، والأسماء نفسها تتكرر، وبنفس طريقة البرمجة والتنظيم، الذي لا يفضي لاستعادة الشعر، بقدر ما يُضاعِف من قتله، بالسعي لقتل الشُّعراء أنفسهم.
2ــــ كيف ستحتفي قصيدتك بربيعها العالمي في سياق الربيع العربي؟
أنا لا أكتب ” القصيدةَ “. الشِّعْرُ، بهذا المعنى الذي ما زال غامضاً عند الكثيرين، هو ما أكتبه. ولعل صدور كتابي، ” حداثة الكتابة في الشِّعر العربي المعاصر “، سيكون أفقاً لفهم الفرق بين المفهومين، وما يترتب عنهما من انتقال بالنص، من ” حداثة القصيدة “، إلى حداثة الكتابة “.
أنا أكتب دون أن يكون هذا اليوم هو ما يشغلني، كما لم يعد يشغلني هذا التهافت الحاصل على النشر والظهور. فالشِّعر هو عملي اليوميّ. لي نَصٌّ أعملُ عليه، دون أن أعبأ بما يلقاه من استبعادٍ وإلغاء، مثلما حدث في جائزة الشعر لمرَّتين بالأسف، وما يحدث في أشياء أخرى، سأتركها لحينها.
3ــــ في رأيك كيف يستطيع اليوم العالمي للشعر ترميم الخراب في القيم الإنسانية الجميلة التي مسخها هذا التعطش المادي المستفحل في علاقاتنا الاجتماعية اليومية ؟
ـ حين نرمم خراب الشِّعر الذي ساهمت فيه مِؤسسات المعرفة، بكل مسؤولياتها، وانتماءاتها، وعلى رأسها ” بيت الشعر “، و ” اتحاد كتاب المغرب “، نستطيع أن نفكر في خراب القيم الإنسانية.
4ــــ إلى أي حد أسهم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في الارتقاء بعلاقاتك الشعرية ؟
ـ شيء جميل أن تصير هذه المواقع فرصة لنشر الشعر وتداوُله، وهذا ما نراه يحدث في أكثر من موقع، لكن بقدر ما كانت هذه المواقع، فرصة لتعميم الشعر، أصبحت أيضاً فرصة لِتَعْتِيمِهِ، وابْتِذَالِهِ. كثير مما يُنْشَرُ باعتباره شعراً، في كثير من المواقع، بعيد عن الشِّعر، وإساءةٌ له.
فأنا حين أكتب، أكتب بنفس عاداتي السابقة في الكتابة والتفكير، ولا أكتب لأنشر في هذا الموقع أو ذاك. وهذا مَطَبُّ بعض الشعراء الذين ابْتَذَلُوا الشِّعر، بالكتابة والنشر، دون حرصٍ على ” القيمة الشعرية “.
بعض ما أكْتُبُه، ويُنْشَر في بعض المواقع، أكتبه وفق رؤيتي للشِّعر، ولما أراه شروطي الشخصية، أو الشِّعرية، في النظر للشِّعر، وبناءً على مشروعٍ، لا يمكن في الوقت الراهن أن أتنازل عنه، لأنه يستفيد من هذه الوسائط، دون أن يسقط في إغراءاتها.
5ــــ كلمة أخيرة للشعراء في هذا العيد العالمي ؟
ـ أن نكتب دون أن نلتفت لهذا التشويش المنهجي الذي أصبح فيه الشِّعرُ كلاماً مُبتذلاً، وأصبح فيه من يحضرون، هنا وهناك، ويحرصون على تكريس واقع شعري كاذب ومُزَوَّر، أو إعلامي، لا غير، هم الشعراء.
الشعر، هو وجود خارج الوجود، ورهان على المستقبل، وهذا ما يجعل من المعاصرة حجاباً، كما وَعَى القدماء هذا قبلنا بقرون. ما يجري عندنا هو حجاب الشِّعر، والشِّعر، يجري خارج هذه الأراضي المحتلة، التي لا يمكن تحريرها إلاَّ بتكريس الشِّعر، بما هو أفق معرفي، يعيد تنسيب الأشياء، وتسميتها. فلا العلاقات العامة، ولا تكريس العائلة أو القبيلة، مثلما حدث في أنظمة عربية بئيسةٍ، ها هي تسقط اليوم تباعاً، يمكنه أن يحجُب الشِّعر الحقيقي، ولا القيم الشِّعرية العظيمة، وهذا ما نتعلَّمَه من الزمن، أعني من تاريخ المعرفة الإنسانية، التي طالما أخرجت للضوء ما كان تَمَّ حجبُه، مقابل ما لا قيمة له في زمنه.
فهل في ما نقرأه اليوم، ثمة تسمياتٍ؟ فإذا لم نُسَمِّ في ما نكتبهُ، فلا جدوى مما نكتبه وننشُرُه. من هنا يبدأ الشِّعر، أي من التَّسْمِيَةِ. فمن يُسَمِّي يَتَمَلَّك، وهذا ما لا يحدث إلاَّ عند القليلين، ممن خبٍروا مضايق الشِّعر، واختاروا العمل بعيداً عن هذا التهافُت الحادث في نشر الشِّعر وترجمته، وفي السفر وتمثيل الشعر، دون قيمة شعرية، وهو ما جرى في جائزة الشٍّعر، التي أصبحت غنيمة لنفس الأشخاص !
0 التعليقات: