لا أعتقد أنه بإمكان الوسائط الرقمية إلغاء المنابر الثقافية الورقية د.علي العلوي
شاعرمن المغرب
بداية لا بد من الإشارة إلى أن العلاقة التي تربط مختلف الوسائط هي علاقة تجاور لا تجاوز؛ أي لا ينبغي النظر إلى ظهور وسائط جديدة على أنه ثورة عارمة على الوسائط السابقة، وإعلان لزوالها وموتها، بقدر ما أنه تطور قد لحقها مع توالي الأيام والأعوام، وتحول طرأ عليها على مستويات عديدة، وذلك بفضل الثورة التكنولوجية التي عرفها العالم مع مطلع القرن العشرين.
هذا التحول انعكس بدوره على أشكال التواصل، وساهم في الارتقاء بمضامين هذه الوسائط، وسهل ولوج عالم النشر لدى الكتاب والمبدعين، وبخاصة أولئك الذين سدت أمامهم أبواب النشر في المنابر الورقية، وحرموا من التواصل الأدبي والثقافي مع الآخرين. وحري بالذكر هنا أن معايير النشر بالملاحق والصفحات الثقافية بالمغرب، تغيب عنها الموضوعية والمواصفات الإبداعية في غالب الأحيان، ليفسح المجال للانتماءات الحزبية والقبلية، وكذا علاقات الصداقة والزمالة، وغيرها. أما من استطاع النشر في هذه المنابر الورقية خارج إطار هذه المعايير غير الموضوعية، فذلك راجع لكونه قد تمكن، في بداية الأمر، من فرض اسمه بقوة من خلال نشر إنتاجاته الإبداعية أو الفكرية أو النقدية في جرائد ومجلات وازنة تصدر من بلدان أخرى، مما سهل عليه النشر داخل بلده.
من جانب آخر، لا أعتقد أنه بإمكان الوسائط الرقمية إلغاء المنابر الثقافية الورقية. وسؤالي هنا هو: هل ألغى جهازُ التلفاز المذياعَ والسينما؟ الجواب بالنفي بكل تأكيد، إذ ما زالت هذه الأجهزة والوسائط موجودة جنبا إلى جنب في الوقت الراهن؛ فمن لا يستمع إلى المذياع في منزله، قد يشغله داخل سيارته، أو في مكان آخر. وأحسب أن الأمر نفسه ينطبق على المنابر الرقمية والورقية؛ فمثلا المسافر الذي لا يمكنه أن يقرأ قصيدة أو قصة قصيرة وغيرها على الشبكة العنكبوتية، متاح له ذلك في ملحق ثقافي أو في صفحة ثقافية داخل جريدة ورقية.
هذا، ولا ننسى أن معظم المنابر الورقية، جريدة أو مجلة، أصبحت تتوفر على نسخة رقمية على الشبكة العنكبوتية، مما يؤكد مرة أخرى خاصية التعايش الحاصل بين الوسائط والمنابر بمختلف أشكالها.
0 التعليقات: