إكرام عبدي شاعرة من المغرب : من أجل هندسة جديدة
للحياة
ـــ كيف عايشت كشاعرة هذه الأحداث؟
في ظل هذه الثورات ننزع عنا كل الألقاب، نلتحم بتراب
المكان ونتدثر بلقب الوطن. نقف وقفة إجلال ولصوت انبجس في تونس لكنه سرعان ما اخضوضر
وأزهر في باقي الدول، في مصر وليبيا واليمن وسورية والمغرب وظل هديره يجلجل بقوة في
أفئدتنا نحن العرب، حركة مائجة من الأحاسيس
تداهمنا، قلق غبطة خوف ترقب توجس ألم توتر..، قلق مما هو آت ،”فالثورات مثل الرواية
أصعب ما فيها نهايتها” توكفيل، أحاسيس تختلط وتمور
، لكنها سرعان ما تتآلف وتتدفق بانسجام عميق في
نهر واحد هو نهر الأمل، شرارات شباب اشتعلت، بعدما كانت فتيلا يحترق ببطئ بمشاعر الخوف
واللاأمان والظلم والقمع، انقدح زنادها بعدما أطفئ نورها بعنف ووحشية في السجون والمعتقلات،
في عز بهائها وألقها.
لم يكونوا يحلمون الا بكسرة خبز هانئة، وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة
إنسانية، والإحساس بقوة الانتماء لهذا الوطن الذي شابته اللاثقة واللاأمان والخوف والإحساس
بالتهميش بشكل أوهن تلك الشحنة العاطفية التي تربط المواطن بوطنه، وعمق الإحساس بالظلم،
وإن كان الظلم شرطا سابقا على كل ثورة، كما يؤكد عبد الرحمن الكواكبي.
ثورات ظل صمتها ونضجها وألمها وفقرها وإحساس الذل
والمهانة لديها، يكبر رويدا رويدا ككرة الثلج، بعدما كانت هادئة مهادنة، لكن لا أحد
ينصت بعمق وجد لنبضها: «من يمنعون الثورات السلمية يجعلون الثورات العنيفة حتمية»،
كما قال الرئيس الأميركي الأسبق كيندي، وها هي اليوم قوية وجسورة كجلمود صخر حطه السيل
من عل، لتسحق كل متاريس الخوف والاستكانة والخضوع.
ـــ ماهو الحدث الثقافي البارز الذي وسم هذه السنة؟
الثورات التي عرفها العالم العربي أخيرا غطت على
كل حدث ثقافي ، وأستغرب للذين يبدعون ويكتبون قصائد وروايات وقصص من أنقاض الثورات،
فالإبداع يحتاج إلى مسافة كي يختمر وينضج ويعانق أفقا إنسانيا أرحب، بإمكاننا أن نكتب
مقالة وتأملات، لكن أن نبدع، فالأمر يبدو مفبركا، فأي حدث كي تبصره بشكل أوضح لابد
أن تبتعد عنه لزمن، وأحس بالغضب من هؤلاء الذين يتسلقون اليوم على أكتاف الثورة كي
يصنعوا مجدهم الواهي، يتلونون ويرطنون حسب الظروف والأحوال، يهرولون لكتابة القصائد
وروايات وإنتاج أفلام وأغان وبرامج عن الثورة، يجردونها من بعدها التاريخي والإنساني،
ويحولونها لموضة العصر ولظاهرة يتجندون لاستغلالها أسوأ استغلال، ناسين أن صناع الثورة
هم شباب لن تنطلي عليهم الخديعة، هم اليوم أكثر توجسا وحذرا من ذي قبل.
ـــ العنوان الذي أقترحه لأحداث السنة؟
“من أجل هندسة جديدة
للحياة”، هو العنوان الذي أقترحه لأحداث السنة، رغم كل هذا الموت وهذا الدمار، رغم
هاته الدماء التي أريقت بسبب تصرفات هوجاء وأفعال مجنونة لحكام لا يرون أبعد من أرنبة
أنوفهم، فهي ثورات تعيد هندسة الحياة، وتقترح معنى آخر لوجودها. هي ثورات تنسج شتيلة
الأمل من أوراق خريف تساقطت زمنا طويلا من سنوات الاستبداد، هي ثورات حملت معاول الهدم الإيجابي، هدم أوتاد
نظام سابق ورموزه الفاسدة، ممن ظلوا جاثمين على صدور الشعب لسنوات طوال، ورغم ما صاحب
هذا الهدم من فوضى و«بلطجة» لأعداء التغيير، وما تطلبه من جسارة وصلادة تجابه الصخر،
فإن ما بقي هو الأعظم، وهو خلق عمارة جديدة منفتحة لهذه الحياة، وعدم انجرافها في دوامة
التسيب والفوضى والارتجال وتصفية الحسابات وسياسة الترقيع والأسقف الواطئ.
توثيق ثورات السنة في عمل شعري؟
ربما أوثق هذه الأحداث في رواية، فالرواية أقدر
على لملمة أشلاء هاته الثورات، لطابعها الملحمي والدرامي، ولزخم الأحداث فيها وتشعبها،
ربما يوما ما، فكلما نأيت أكثر، اتضحت الرؤية أكثر وغدا المشهد أغنى.
0 التعليقات: