مضى زمن الأنبياء وما تبقى يؤسسه الشعراء
مضى زمن الأنبياء وما تبقى يؤسسه الشعراء
الصادق الراضي شاعرمن السودان
ماذا يعني بالنسبة لك الإحتفاء باليوم العالمي للشعر؟
العالم ليس على ما يرام، منذ مدة ليست قليلة، لم يعد تذوق الأشياء كما كان في الماضي القريب، حياتنا تغيرت، تغيرت أدواتنا في توسل الحيوات في مستوياتها المختلفة، يبدو أن العالم ليس بحاجة للشعر أو هكذا يحاول أن يوهمنا بفظاظة رأسمالية يومية لا تأبه لقيمة اللحظة نفسها، لا تأبه لقيمة ماهو حي ونابض، الاحتفال باليوم العالمي للشعر يعني بالنسبة لي إحياء لحظة الفرادة جماعيا، دون أن يعني الاحتفال انسياقا لسطحية شعارية، أو تقليدا مظهريا أجوف
؛ أحتفل مع أصدقائي الشعراء في كل أنحاء العالم، دون أن أعرفهم شخصيا ودون أن أتشاطر مع الكثيرين منهم لغة واحدة، أحتفل معهم وبينهم سنويا، وحيدا، إن تعذر إعداد (إحتفال) مع فعاليات الساحة الثقافية بالخرطوم، وكثيرا ما يحدث أن يتعذر، يكفيني أن أتابع الفعاليات المختلفة الخاصة بهذا اليوم في أمكنة مختلفة وبأساليب متعددة، وفي ذلك قيمة أحسها تتجدد من خلال معايشتي اليومية، بعد ذلك، لحياة الشعر فيَّ وحياتي في الشعر.
كيف ستحتفي قصيدتك بربيعها العالمي في سياق الربيع العربي؟
القصيدة تملك أن تقترح ما لا يخطر بالبال، دائما- تلك آيتها؛ وأملك أن أصغي عميقا لنداءاتها الغامضة، حين تطل لحظتها و ينضج جسمها مكتمل النبؤة، تعرف أن الشعر عصي على التوقع وأن القصيدة ليست بنت التخطيط، وليس في ذلك ما يعني ارتهانها لما هو غيبي بالكامل، هناك ما ينمو في الوعي أيضا، وفي اللا وعي يكمن أخطر ما في البناء الفني؛ أعيش قصيدتي حقا قبل/ أثناء كتابتها، أترك لها أن تعيش حيواتي في الباطن، أن تتجول معي وتسترق النظر لما يحيط بي وبها، لما ينتظرها وينتظرني من أقدار؛ الربيع العربي ( الإفريقي أيضا؟) في قلب العالم، قصيدتي كذلك أحلم أن تكون هناك.
في رأيك كيف يستطيع اليوم العالمي للشعرترميم الخراب في القيمالإنسانية الجميلة التي مسخها هذا التعطش المادي المستفحل في علاقاتناالإجتماعية اليومية ؟
اليوم العالمي للشعر نفسه لا يستطيع إن لم يتمكن الشعراء من خلال كدحهم الشعري إنجاز تراكم معرفي وجمالي نحو نفي الخراب لا ترميمه، يوميا، كتابة وسلوكا في الجمال والمعرفة، دون ذل ك سيكون حضورنا في هذا اليوم بلا حصيلة، سنحضر جميعا كمتفرجين، بلا مساهمة، جل الذي نرجوه من خلاله أن تحصل تجاربنا على نوع من التقدير أن تحظى مساهماتنا بقدر من التفاعل الإيجابي معها، وأن نكون قادرين على اجتراح المبادرة نحو أن ننتظم في مشاريع تدعم أفق الإنتاج وتفعيله، بما تضج به ساحاتنا المختلفة من إمكانات: مشاريع نشر متبادل، تفكير في الترجمة، حوارات، وورش عمل، مهرجانات تتيح مساحة أكبر للتواصل الإبداعي..إلخ؛ ربما هكذا يستطيع اليوم العالمي للشعر أن يكتسب قيمته الرمزية وأن نتحصلها عمليا من خلال التراكم.
إلى أي حد أسهم الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي في الإرتقاء بعلاقاتك الشعرية ؟
لم أك أحلم بأن أتصفح شعري بين دفتي كتاب، بدا لي أنني أكتب لأُقرأ بعد أن أموت، تأخر نشر كتابي الأول لعقد من الزمان، بفضل مساومات السلطة من خلال أذرعها في الحقل الثقافي، وتمكنت من احراز اختراقات معقولة نسبيا، قبل أن أنفتح على الإنترنيت، مع الإنترنيت تحررت من السلطة في محاولات سيطرتها على صوتي، بدأت النشر إلكترونيا من خلال المجلات الأدبية المختصة- حزين لأن بعض المجلات الإلكترونية التي بدأت التواصل من خلالها توقفت حاليا، وأتواصل من خلال الأخرى الصامدة والجديدة- في بدايات الألفية الماثلة، أوصلتني لأشباهي، من يكتبون بلغتي ومن يكتبون بلغات أخرى، تطورت أفكاري ومفاهيمي وبالتالي لغتي ومستوى إنتاجي وعطائي، شاركت في مهرجانات خارج القطر، في المحيط الإقليمي وترجمت أعمالي لأكثر من لغة حية، بالتالي شاركت في مهرجانات ومؤتمرات وورش عمل بأوربا، دون أن أكون في حاجة لتملق أحد أو لتمتين أواصر مع وزارة الثقافة أو أحد أذرعها، أسهم الإنترنيت نحو أن ألتصق بما أومن به حقا، دون أن أعرض افكاري ومواهبي في أسواق بخسة، دون أن أكمن بلا رفقة وطموح في التطور من خلال الحوار والمثاقفة الخلاقة، بلا اشتراطات وسقوف متوهمة، فضلا عن أنه- الإنترنيت- أسهم في تواصلي معكم واحتفالي بينكم الآن بالشعر في يومه العالمي، أرجو أن يستمر التواصل.
كلمة أخيرة للشعراء في هذا العيد العالمي ؟
كتبت مقدمة يتيمة لكتاب أحد اصدقائي الشعراء في السودان- الشاعر أزهري محمد علي، صدرت الطبعة الأولى من كتابه في 1997م- لم أتورط في هذا الأمر إلا لكونه اشترط كتابتي لمقدمة ديوانه الشعري قبل الموافقة على نشره، خضعت للأمر وكتبت كلمة عنونتها بـ (ما تبقَّى يؤسسه الشعراء)، مستدعيا أثر الألماني البازخ هولدرن في خالدته: (مضى زمن الأنبياء وما تبقى يؤسسه الشعراء)، هل أقدر في هذه اللحظة التي أتوجه فيها بكلمة لأصدقاء يكتبون في عالم مرتهن بكامله لـ (فرق العُمْلَة)، وللـ (بورصات)، ومحاولات يومية دائبة لتزييف تاريخ الشخص واحلامه وهويته، ومحو سلطة الجمال؛ هل أقدر إلا أن أعضد ثقتي بنا، وأن أكتب، خلال مساهمتي معكم هنا، بأن أصبروا أصدقائي على الكدح اليومي وتزييف ما نحن عليه، سيذهب سفو الرياح ما يكدر لحظتنا وما ( تبقَّى يؤسسه الشعراء)، حقَّا لا عزاء.
0 التعليقات: