محمد عز الدين التازي قاص وروائي: الزلزال العربي
من غير شك، فإن الثورات العربية التي عرفتها سنة
2011 وامتداداتها إلى بلدان عربية أخرى قد شكلت منعطفا جديدا في التاريخ العربي الحديث.
إن هذا المنعطف، لم يأت وليد مصادفة أو أحداث ظرفية وإنما هو زلزال ظل يختزن حممه في
طريقه إلى الانفجار. وبمعنى آخر، فما حدث في تونس ومصر وليبيا ويحدث اليوم في اليمن
وسورية، يستحق بجدارة أن يسمى ثورة شعبية ضد الظلم والاستبداد والفساد السياسي والمالي
وتغيير الحريات العامة وتزييف حقيقة الأوضاع كما كشفت عنها هذه الثورة، وعبرت عنها
من خلال إسقاط الأنظمة الفاسدة.
ومن طول بقاء رموز الفساد في العالم العربي في الحكم
لسنوات طويلة تجاوزت الأربعة عقود من الزمن، وتهاويها نظاما بعد الآخر، في أقل من سنة،
فكأننا أمام سيناريو تخييلي لشريط سينمائي يعبر عن رغبة الشعوب في التحرر ودور الشباب
في الجرأة والرفض والتضحية، ولأن وقائع هذا السيناريو قد تلاحقت بسرعة بالغة، وحيث
انتقلت مظاهر الثورة والصمود من أجل إسقاط النظام من بلد عربي إلى آخر، فإننا ونحن
نتابع تفاصيل المشهد الثوري العربي، متابعة يومية، ونواكب حربائية وألاعيب رموز الأنظمة
في البقاء في الحكم، وإصرار الثوار على التضحية بدمائهم من أجل تحرير أوطانهم؛ نجد
أن ثورة عربية بكل تدافعها نحو التحرير، هي ما كانت مخاضا لزلزال عربي كبير، ثم جاءت
لحظات انفجار الزلزال، التي اندهش لها الحكام العرب، وقد تعودوا على عروشهم وفخامتهم
وسطوتهم التي تصرفوا من خلالها في المال العمومي وحكم الشعوب بالحديد والنار، وهي لحظة
اندهش لها أيضا، كل من لم يشعروا بقرب لحظة وقوع الزلزال، وكأن الظلم والقهر والاستبداد
(بلغة الكواكبي) هو الأصل في كل سياسة يمارسها الحاكمون على المحكومين، وكأن البقاء
للفساد (بلغة المنتفعين من الفساد)، وكأن المشهد السياسي العربي سوف يبقى على ما هو
عليه (بلغة الانهزاميين الذين يئسوا من تغيير الأوضاع.
ليس الزلزال العربي مجرد عنوان رمزي سياسي هرب فيه
ابن علي في تونس بخزائن الدولة تاركا وراءه للثوار أن يتدبروا أمورهم، وأجبرت الثورة
في مصر حسني مبارك على التخلي عن الحكم لتعقد له أول محاكمة لرئيس دولة في العالم العربي،
وانتهى سفاح ليبيا بنهايته المأساوية بعد أن خلفت كتائبه آلاف الشهداء والمصابين في
حرب شرسة، ولم يرعو، ديكتاتور اليمن علي عبد الله صالح من رؤيته لجيشه وعصابات قبيلته
وهم يحصدون أرواح الثوار، ولم تأت لحظة العقل بعد، للدكتاتور السوري الذي يدعي أنه
وارث نظام وطني، وقد تحول إلى مصاص لدماء شعبه عن طريق التقتيل اليومي، لمجرد أن عرشه
يتزعزع.
والزلزال العربي ليس مجرد عنوان رمزي لما حدث، وما
سيحدث، بل هو عنوان كبير لعداء تاريخي مكتوم بين الأنظمة العربية السياسية التي استغلت
شعوبها بما يكفي وبين شعوب تتوق إلى أنظمة ديمقراطية بالمعنى الحديث للدولة الديمقراطية،
الذي تسير فيه أمور الشعب المؤسسات والهيئات المنتخبة في إطار دولة القانون، وحيث لا
يكون الحاكم سوى صاحب سلطة دستورية لتنظيم العلاقة بين هذه المؤسسات والهيئات، مما
يعني إعطاء الحرية للشعب في اختيار مؤسساته التشريعية والتنفيذية عن طريق انتخابات
نزيهة. ويعني ذلك أيضا، رفض نسبة 99،99 في المائة انتخابات الفوز الرئاسي، وتوريث الحكم
في الأنظمة الجمهورية، وتسليم السلطة للشعب ليحاكم رموز الفساد وسرقة المال العمومي
والثراء الفاحش على حساب تفقير الشعوب أو تدفيق المال العمومي في سياسات فاسدة.
إنه زلزال الثورات العربية الذي ما زالت حممه ترتفع
في السماء العربية، ولاشك أن أنهار تلك الحمم سوف تمتد إلى بلد عربي يحكمه دكتاتور.
رغم المشاكل التي تطرحها ثورة هذا الزلزال العربي،
من قبيل تسلل تنظيمات متطرفة، أو دخول بعض التيارات الإسلاموية مع تيارات أخرى يسارية
أو معارضة إلى ساحة الأحداث، فإن القبول بالاختيار الديمقراطي هو الحل والخلاص، ومن
ليس يؤمن بالديمقراطية، فإن زلزالا آخر سوف يزلزل الخريطة العربية في اتجاه البناء
الديمقراطي.
tazimed1948@yahoo.com
http://www.mohamedazeddinetazi.com
0 التعليقات: