فؤاد بوعلي استاذ باحث في اللغويات/ رئيس الائتلاف
الوطني من أجل اللغة العربية/ الكاتب العام لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية
رد الاعتبار للأمازيغية يتم من خلال الإشارة الذكية
للمشرع المغربي باعتبارها “رصيدا مشتركا لجميع المغاربة”.
س : في رأيكم كيف تقيم ماتحقق في المغرب من منجزات دستورية وسياسية وحقوقية
للمكون الأمازيغي مقارنة مع وضعه في باقي الدول العربية الأمازيغية الأخرى ؟
ج : شكرا لمجلة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة وإدارتها
على الاستضافة .ينبغي الاعتراف أن ما تحقق في المغرب من منجزات دستورية وحقوقية لا
يدانيه فيه أي بلد من بلدان الجوار لأسباب عدة منها ما يتعلق بطبيعة النظام السياسي
وتجذره في الواقع المغربي، ومنها ما يتعلق بطبيعة الإنسان المغربي في حد ذاته حيث العنف
عنده حركة استثنائية… وفيما يتعلق بالموضوع الأمازيغي سنجد أنفسنا في التعديل الأخير
أمام لغة مدسترة ومرسمة وهو ما لم يتحقق في باقي الدول العربية. لكن يبقى السؤال الذي
ستجيب عنه الأيام هو هل هذا هو المسار الطبيعي لتطور المجتمع أم هو اقتباس وفرض لنمذجة
مغايرة بغية توجيهه نحو مسارات أخرى أم هو استخدام سلطوي لضبط التوازنات الاجتماعية؟
س : ما هي في رأيك الآليات القمينة برد الإعتبار
للتاريخ والحضارة الأمازيغيتين في ظل الحفاظ على وحدة الهوية المغربية في كل أبعادها
الإثنية والثقافية والسوسيولوجية والعقائدية؟
ج : نتصور أن رد الاعتبار للأمازيغية يتم من خلال
الإشارة الذكية للمشرع المغربي باعتبارها “رصيدا مشتركا لجميع المغاربة”. فالمغاربة
جميعا شركاء في الانتماء ولا يمكن أن ينظر إليها كوسيلة للتمايز الإثني والقبلي. وبعبارة
أوضح إن المكون الأمازيغي هو جزء من مكونات ثقافية عدة صنعت خصوصية الإنسان المغربي
لذا فالاهتمام بالأمازيغية ينبغي أن يكون في إطار سياسة ثقافية شاملة ومندمجة تستحضر
الأبعاد الأساسية لكل سياسة: السيادة الوطنية وحماية التعدد والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وحين تحضر هذه المحددات تكون الأمازيغية جزءا اصيلا من انتماء واسع موحد ومتعدد في
نفس الآن.
س : كيف تنظرإلى مستقبل المكونين العربي والأمازيغي
على مستوى دول شمال إفريقيا ألا تهدد بعض دعوات الإنفصال التي تجهربها بعض هيآت المجتمع
المدني الأمازيغي القاطنة في أوروبا إلى تهديد الإستقرار وإلى المزيد من الإنفجارات
في هذه الدول ؟
ج : أعتقد ان تبلور الخطاب الأمازيغي عرف العديد
من النتوءات التي صاحبته ولازمته منذ البداية، أهمها النفحة الصراعية ضد كل مكونات
المشهد السياسي والثقافي. لكن لا ينبغي أن نغفل دور الخارج في استغلال هذا الخطاب وإعطائه
طابعا انفصاليا يهدد نسيج المجتمع. فليس غريبا دعوة مراكز أبحاث إسرائيلية (مثل مركز
موشي دايان) إلى التواصل مع الحركة الأمازيغية ضد العرب، كما ليس غريبا أن يقوم نفس
المركز بزيارة لمناطق ذات الغالبية الناطقة بالأمازيغية، كما تأسس خطاب أمازيغي عنصري
ممثلا فيما يسمى بالكونغريس الأمازيغي يؤمن بمنطق الصراع الإثني مستعديا الخارج على
ابناء جلدته فتارة تجده يطلب عون الأمريكيين ضد العرب، وأخرى يطالب المنظمات الدولية
بالضغط على الحكومة المغربية ومنعها من المساعدات الاقتصادية لإجبارها على احترام الأمازيغية…
لكن هذا الخطاب الاستئصالي وإن وجد من يدعمه إعلاميا لا عمق له ولا وجود إلا في العالم
الافتراضي لأن التمايز العرقي غير موجود في المغرب ولا يمكن أن ينجح في بلد عاش التماهي
الاثني منذ قرون.
س : وضعت ميكروسوفت ويندووز8 تيفيناغ ضمن الخطوط
المعتمدة عالميا مما سيمكن التراث والحضارة والثقافة والأدب الأمازيغي من أدوات المعلوماتية
والرقمية والنشرالإلكتروني على أوسع نطاق شبكي (إنترنت) . ألا يمكن الحديث اليوم عن
بداية إنشطارفي مكونات الهوية المغربية إلى مكونين مستقلين أحدهما عن الآخر؟؟
ج : الانشطار الهوياتي غير حاصل لكن لابد من التأكيد
أنه في جميع التجارب العالمية التي تعيش حالة التعدد اللغوي توضع ضوابط قانونية حتى
لا يتحول الأمر إلى صراع لغوي وهوياتي. لذا فأسئلة الهوية والانتماء تتراجع أمام أسئلة
الوحدة والتنمية، أي أن المهم هو البحث عن المشترك اللغوي الذي يضمن لنا وحدة لغوية
وعمقا استراتيجيا إضافة إلى تنمية مجتمعية تجعلنا نلج مجتمع المعرفة. ولا أتصور أن
الأمازيغية بالرغم من الخطاب المؤدلج الذي يحيط بها والمحاولات التي ترغب في استعجال
حضورها في كل الميادين قادرة على ذلك. لذا ينبغي التفكير الجدي في السؤال اللغوي وفق
منظور شمولي وعقلاني. وأعتقد أن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إن دبر بشكل
سليم قادر على القيام بذلك.
س : على المستوى الإعلامي الورقي والسمعي البصري
كيف تقيم التجربة الحالية وماهي مقترحاتك للنهوض إعلاميا بالمكون الأمازيغي ؟
ج : التجربة الحالية جيدة على العموم وإن كان ينقصها
الضبط. فالمشتغلون من الإعلاميين بالشأن الأمازيغي كثر وأهواؤهم ومرجعياتهم مختلفة
لذا تعددت زوايا النظر لكن ركزت جل الأقلام والأصوات على أمرين: الطابع الاحتفالي الفلكلوري
للأمازيغية، والبعد العرقي للمسألة. مما حرفها عن جوهر الواقع المغربي. فالأمازيغية
ليست هي أحواش وأحيدوس بل هي هموم الإنسان المغربي وآماله وطموحاته بمختلف تلاوينها،
وليست إثنية أو أقلية منغلقة تبحث عن حقوقها الضائعة بل هي وجود واقعي ينبغي أن يرتفع
الإعلاميون للتعبير عنه وتكرار أحاديث ما قبل التعديل الدستوري الأخير المبني على التوافق
السياسي والاجتماعي.
0 التعليقات: