الخميس، 26 ديسمبر 2013

الدكتورإدريس كثير كيف يرى المثقف المهتم بالدرس الفلسفي

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  12:20 م

الدكتورإدريس كثير كيف يرى المثقف المهتم بالدرس الفلسفي
لا نملك في الوطن العربي تقليدا يمكن تسميته بالدخول الثقافي. فكل البلدان العربية الوازنة على المستوى الثقافي كلبنان والكويت ومصر لا تدعي هذا التقليد. وحتى معارض الكتاب والثقافة كمعرض الدار البيضاء(المغرب) معرض لبنان ومصر لا تشكل دخولا وافتتاحا ثقافيا كما نلمسه في فرنسا مثلا حيث تتنافس دور النشر على عرض مختلف منتوجاتها الأدبية والفكرية بدءا من شهر سبتمبر ( أيلول) في كل سنة حيث ترصد جوائز عدة للتباري والتسابق. وتنظم وزارة الثقافة وجمعيات المجتمع المدني لقاءات ومحاضرات في ذات الشأن.
    ثقافتنا لا تسير وفق هذه الروزنامة. يبدو أنها تخبط خبط عشواء. فما علاقة هذه العشوائية بربيع الثورات العربية.
الحراك الجماهيري الأخير يتعلق بثورة شعبية شبابية.(نجحت في اقتلاع رموز الفساد بتونس/ ومصر). خميرة هذه الثورة هي الشباب المتعلم المثقف و العارف بالتكنولوجيا، والتواصل عبر النيت:( يوتوب فايسبوك، توتير..). شباب يتواصل عبر كل اللغات يضغط على الكلمات ويختصرها..ولا يؤمن بالزعامة الكاريزمية، ويعتقد أن التنظيم أيا كان يجب أولا أن يفسخ، (إرحل) ليعاد بناؤه من جديد وبشكل آخر لأمد طويل..أكبر خطر يهدد هذه الثورة هو الإلتفاف على مطالبها وآفاقها..(كما جاءت المحاولات الفاشلة إلى حد الآن في مصر وتونس، وكما يبدو أنها نجحت في الإمارات..).
انطلاقا من الحكرة أو الإحتقار ( البوعزيزي) وانطلاقا من ” الحريك” ( إحراق الذات كاحتجاج)..جاءت الثورة العربية الشبابية. فهي نتيجة ” النايضة” وهو مفهوم لا يترجم النهضة فقط كما فهمها وطبقها رواد النهضة( الطهطاوي قاسم أمين، محمد عبده..) وإنما يتجاوزها نحو ” نهضة ” جديدة تتعدى البعد السياسي بله الإيديولوجي لتتبنى ثقافة موسيقية تنهل من الهيب هوب والراب العالميين مصادر فنها، ومن الغناء أو ” الحايحة” دواعي تأجيجها ( يا مصر هانت وبانت..) ( امنين فهمتنا..) و من الفايسبوك أسباب تواصلها.
لا معنى إذن للحديث عن الدخول الثقافي ولا  للحديث عن تقليد عربي ثقافي الآن ، والحراك الشبابي في بدايته..بداية حراك لا يني يعيد النظر في كل المفاهيم والبراديغمات بما فيها الثقافة وجواراتها..
لقد غاب المثقف الكلاسيكي  رغم حضوره ( جابرعصفور)، وحضر مثقف شاب يتقن لغة النيت والبرمجة والتواصل..وواكب مثقف آخر الحراك وانخرط فيه ( علاء الأسواني) واستوعب المثقف العضوي بعض الصور الحية في مظاهرات 20 فبراير بالمغرب:
                         صورة إحدى المتظاهرات
                        من عشرين فبراير  ومارس
                        على قميص أبيض
                         بأحرف سوداء:
I dont need sex
Gouvernment fuck me !
Every day
            ليست بحاجة إلى الجنس
            الحكومة تضاجعني في كل يوم !
              ييس !
             الحكومات بكل الوزارات
             تضاجعنا منذ القدم
            والسلطات كلها الآن
             وأمس.
                            (الشاعر إدريس الملياني)
لم يعد التأطير وتشكيل الوعي والمد الثوري يقوم به فرد واحد ولا قيادة موحدة إنما هي مفاهيم كلاسيكية نخرتها الإنتهازية والوصولية والهرولة وقلب القيم: بحيث بات الجلاد مناضلا والمثقف مخبرا ومنظم الحفلات مثقفا- لذا فشعار المرحلة الذي هو ” إرحل” لا يتوجه إلى الآخر ( الإستعمار، العولمة)
إنما يتوجه إلى الذات أو إلى ذلك الجزء من الذات الذي يحكمنا(الزعيم، الفساد، المحسوبية..)يجب التحرر مما يكبل الذات لتستطيع التحاور مع الآخر فيما بعد.
لقد اتضح بالملموس أن الآخر( أوربا خصوصا) لا يتعامل معنا إلا بقدر إحترامنا لأنفسنا..وبقدر مصلحته (وهذا أمر مفهوم..)
 فحين ننادي بقيم الثورة الفرنسية( الحرية، المساواة، الأخوة) لا يمكن لفرنسا أن تتنكر لإنسيتنا وكونيتنا ( رغم أن فلول الإستعمار حاولت ذلك في بداية ثورة تونس: أليو ماري مثلا..)..فالنزعة الإستشراقية نالت حضها من النقد والفحص ( إدوارد سعيد، الخطيبي..) والإعتراف بنا لا كأنظمة وإنما كشعوب بدأ مع هذه الثورة الشبابية: على مستوى السينما: ( في المهرجان الأخيرالعاشر لمدينة كان تم الإعتراف بيسري نصر الله من مصر)، وعلى مستوى الموسيقى هناك أهمية  الراب العربي ( في فرنسا و هولاندا..) ثم ترجمة الأدب العربي ( أولاد حارتنا/ عمارة يعقوبيان)..
وعليه إما أن نكون مع أو ضد هذا الحراك الثوري. كل الأنظمة الكليانية العربية تقول بأطروحة المؤامرة والدسائس وتفتعلها. ولا أحد يصدقها ( كاميرات المحمول تكذب ذلك) ولا يمكنها أن تستجيب لمطالب شبابها لأن في الإستجابة إزاحة وسقوط لأركان الفساد والبيروقراطية، التي حاولت وأد هذه  الثورات ( البلطجية، افتعال التعصب الديني، التدخل السافر(السعودية). مقابل ذلك هناك بارقة أمل حقيقي..للقطع مع الخوف والإهانة مازال اليمنيون والليبيون والسوريون يحملون مشعلها..
أجل لكل بلد خصوصيته، فثورة تونس ليست هي ثورة مصر ولا ثورة اليمن ولا ليبيا..
إلا أن الذي ميزالتجربة المغربية هو أنها عرفت انتقالا هادئا للسلطة ( ساهم فيه الإشتراكيون) ثم طرح مفهوما جديدا للسلطة بالمغرب وتمت ممارسته، وتعرض المغرب لتجربة قاسية (الإرهاب الغاشم على البيضاء) ثم فتحت أوراش كبرى( اقتصادية، بنيات تحتية) وواكب ذلك إقتراح إصلاحات كبرى( التعليم، المرأة، الدستور..) ثم ضربة غاشمة جبانة (مراكش).
 لقد كنا ومازلنا رغم المثبطات في إطار تحقيق ثورة هادئة خاضعة لدوافع المستقبل ومنفلتة من روادع الماضي. لكن ستبقى هذه الإصلاحات غير كاملة إن هي لم تطل مجالات وطابوهات: كالقضاء والأمن والتعسف والإعتقالات والحد من هيمنة العائلات والجماعات و    وتوزيع الثروات..والمخزن وتغيير الدهنيات ثقافيا.
         ونحن نعرف أن الإنتقال إلى الديمقراطية  يجب أن يتم بعد رحيل كل الفاشلين وبعد تشبيب             الأجهزة السياسية( في الأحزاب والنقابات والجمعيات والحكومة والإتحادات الأدبية والفكرية)
 إن من يتحدث عن الدخول الثقافي و تسريع الثورة الثقافية لا يدرك بأن هذا الربيع العربي هو ثورة ثقافية إندلعت منذ مدة وعلى المثقفين التقليديين استيعاب هذا الأمر والإنخراط فيه لفهم ما يجري.
إن عزوف الشباب وجزء كبير من المثقفين كان عن السياسة التقليدية وعن التنظيم المضجر، وعن اللقاءات النمطية وعن الهرولة نحو المناصب وعن الخصومات الماكيفيلية..وإن استمر جزء من المثقفين في مقاطعتهم؛ فقد عثر الشباب على وسيلة للتواصل ( فايسبوك) وانخرط في شبكة تواصلية وأبدع لنفسه غناء جديدا كونيا والتحم مع غيره  كأصدقاء، وبات الراب لسان حاله، إنها إذن ثقافة جديدة وتنظيم جديد ولقاءات جديدة، أدهشتنا لأنها باغتثنا.

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير
back to top