الملاحق الثقافية فلم يعد يتصفحها إلا من ينشر فيها،
أو يضطر إليها اضطرارا بغرض استعمالها في بحث أكاديمي إلزامي.
*بقلم/التجاني بولعوالي باحث وإعلامي مغربي مقيم في هولندا
ظلت الملاحق والصفحات الثقافية طوال عقود ممتدة
(منذ سبعينيات القرن الماضي) تشكل مصدرا رئيسا للمعرفة الأدبية والفكرية، لدى فئة مهمة
من المجتمع المغربي، من مثقفين وكتاب وإعلاميين وباحثين وطلبة، وما إلى ذلك. حقيقة
أن معظم الملاحق المنتظمة كانت تصدرها جرائد حزبية معروفة، كالعلم والاتحاد الاشتراكي
وبيان اليوم والميثاق الوطني وغيرها، إلا أن أغلب قراء
ومتابعي تلك الملاحق والصفحات الثقافية لم يكونوا
منتمين للأحزاب التي كانت تلك الجرائد تتحدث بلسان حالها، ومع ذلك، فقد كانت هذه الفئة
مسكونة بما تحتويه تلك الملاحق من إبداعات ودراسات وحوارات وأخبار ثقافية، فتنتظر بلهفة
تامة موعد صدورها، حتى تتمكن من الاطلاع على آخر ما كتب ونشر واستجد.
غير أن هذه الوضعية سوف لن تستمر على ما كانت عليه،
ليس لأن قراء الجرائد والملاحق انقرضوا، أو أنهم استبدلوا هواية القراءة بهوايات أخرى،
أو أن الثورة الرقمية، كما يعتقد الكثير من المنظرين والمثقفين، أثرت بشكل عميق وسلبي
في مسألة القراءة، بل العكس من ذلك، فالمجتمع المعرفي المعاصر يضع بين يدي القارئ والناشر
والمبدع العديد من الإمكانات المذهلة، التي من شأنها أن تفعل قراءة الجرائد والملاحق
الثقافية. لكن يظهر أن الواقع الثقافي المغربي لم يستثمر، أو بالأحرى لم يفكر بعد في
استثمار هذه المؤهلات. لذلك كان تراجع قراءة ما هو ورقي نتيجة منطقية في مجتمع يقف
مكتوف الأيدي أمام ما يحصل من تطورات ومستجدات، فصارت القراءة بوجه عام تقليدا أو طقسا
يخص شريحة محدودة من الباحثين والكتاب، أما الملاحق الثقافية فلم يعد يتصفحها إلا من
ينشر فيها، أو يضطر إليها اضطرارا بغرض استعمالها في بحث أكاديمي إلزامي.
هذه الرؤية لا تحمل أي تشاؤم بخصوص مستقبل الملاحق
والصفحات الثقافية، التي ينبغي أن تستمر كما كانت عليه منذ البداية، إلا أنه يتحتم
على ناشري الجرائد ورؤساء التحرير في المغرب أن يستثمروا بشكل جاد وجيد مؤهلات الإعلام
الرقمي الحديث، وذلك عبر جملة من الآليات السلسة، التي يتحدد بعضها كالآتي:
· تمكين القارئ من تصفح الجرائد والملاحق بشكل سريع ومرن، لأن أغلب مواقع
الصحف المغربية المعروفة تعاني من الكثير من المشاكل، كبطء الولوج وعدم التحيين المتواصل
واستمرارية تأثير الجانب الأيديولوجي.
· تحفيز كل الجرائد اليومية والأسبوعية على تخصيص ملاحق وصفحات فكرية ثابتة،
مما يساهم في إرساء ديمقراطية القراءة، فلا تقتصر المواد المنشورة على فئة معينة، بقدر
ما يُفسح المجال لمختلف الفئات الاجتماعية.
· التركيز على مسألة القراءة من قبل مختلف المنابر الثقافية والإعلامية
عن طريق تخصيص مقالات تشجع الإقبال على القراءة، ووضع إعلانات ولوحات تحفز القراءة،
وتنظيم أنشطة حول القراءة في مختلف الأماكن التي يرتادها الشباب، من مدارس ومساجد ودور
شباب وغير ذلك.
· تعميم النسخ الرقمية من الجرائد والملاحق الثقافية على أكبر عدد ممكن
من عناوين الكتاب والإعلاميين والباحثين والمؤسسات الثقافية والقراء العاديين، وغير
ذلك.
دعوة الكتاب والباحثين والمهتمين إلى الإسهام بإبداعاتهم
وبحوثهم وحواراتهم وأنشطتهم في الملاحق والصفحات الثقافية، لأن تنوع الأقلام من شأنه
أن يكسر الرتابة التي تسببها بعض الأسماء التي تحتكر أغلب المنابر الثقافية والإعلامية
من جهة أولى، ويستقطب قراء إضافيين، فيضخ بذلك دماء جديدة في شرايين هذه الجرائد والملاحق
الثقافية من جهة أخرى.
التعامل الإيجابي مع الكتاب والمبدعين من قبل الجرائد
والملاحق الثقافية، التي عادة ما تختار القطيعة مع مجتمع القراءة بإغلاقها الباب أمام
الكثير من الإسهامات التي ترد عليها، فلا هي تنشرها، ولا هي تعتذر لصاحبها عن النشر،
وإنما تجعله معلقا لا يعلم مصير مقاله!
0 التعليقات: