تعدد الأسباب والنص واحد : غالية خوجة

من الحجارة المدببة إلى ريشة الطائر إلى الريشة المعدنية إلى قلم الفحم والرصاص والحبر وغيرهم، ومن جدران الكهوف إلى الرقم الطينية إلى ورق البردى إلى الورق العادي إلى الشاشة الالكترونية..

 هكذا تطورت أدوات الكتابة لتكون لكل عصر سمة تدل عليه مع تطور العقل البشري وأحواله الخيالية التي لا تلبث أن تصبح واقعية..

سابقاً، فال هوميروس:”الحياة هي الحياة”.. ورغم أني من القلة التي لا تؤيده في ذلك.. لماذا؟ لأن الحياة ليست هي مع كل لحظة حياة.. إلا أنني أقول:الإبداع هو الإبداع.. لماذا؟ لأن الإبداع الكوني عابر أزمنة وأمكنة.. لذلك، أستطيع الإضافة: تعددت الوسائل والنص الإبداعي واحد.

لا تقف أدوات الكتابة أمام انتشار النص الإبداعي في الأزمنة.. فما وجدناه من الكتابة الفينيقية، والمسمارية، والهيروغليفية، وما عثرنا عليه من الملاحم والأساطير والقوانين والمدونات الأخرى، وما اكتشفناه من مكتبات أثرية، وما تركه لنا الإنسان القديم لم يكن ـ بكل تأكيد ـ مكتوباً بمدوناتنا الحديثة التي أتوقع لها المزيد من التطور التقني..

المهم هو كيف يكون النص إبداعياً؟ بأية جمالية متكاملة انكتب؟ وهل استطاع تحويل الضمائر عن أناها إلى أناها الأخرى لتصبح الهارمونية المتحركة بين الذاتموضوعية والذاتكونية؟ وكيف نزح باللغة عن دلالاتها، وبالدلالات عن حدوسها؟ وكيف تراءى كشوفاته؟ وإلى أي مقام من العروج تنازح مع مكنوناته واحتمالاتها المرئية واللا مرئية والقابلة للإبصار على تعدده الإبصاري؟ وكيف.. إلخ؟

هنا، يكمن الجوهر الماهوي للنص الذي يظل مستمراً في الحضور طالما هو هارب إلى أبديته المتحركة.. لماذا؟ لأن الساكن غير المسكون بالتجدد وكل الأزمنة والأمكنة والأحوال والتحولات هو عنصر جامد، مائت..

الأداة غير الإنسان.. وليس كل نص إبداعياً..

بالنسبة لي، أعتبر نفسي مبدعة كونية بمعنى ما.. ولا أقبل أن نقول عن مبدع ما: كاتب رقمي أو ورقي..! هل هناك كاتب حجري أو صخري أو زفتي؟ بدلالة ما قد أصطلح على غالبية الكتبة تلك المصطلحات، فمثلاً عندما أقول: عن أحد بأنه متحجر فنحن نعني القولبة التي في عقله ومخيلته وعواطفه ولغته وحياته، وقلبه أشد قسوة من الحجارة، وهو ليس من تلك الحجارة التي لا علاقة لها حتى بمعنى قوله تعالى: وإن كان من الحجارة من يسبح بحمد ربه ويشقق منه الماء! لأنه أكثر تحجراً من الحجارة عافانا الله وإياكم..، وعافى نصوصنا..

إذن، كيف تكتب؟ هو السؤال الأهم من بماذا تكتب؟

أ ليس في هذه الكيفية ينشطر الإبداع ويتشكل في التشكل واللا تشكل؟