دعوا الشعر يتولى الكلام حقا الإنسان حيوان شاعر…
عبدالسلام فزازي شاعرمن المغرب
الشعر وحده يستطيع أن يشكل في الذات المبدعة كونا غرائبيا يعانق بعلاقاته الفاتنة أكوانا لا تحدها فلسفة الزمكان..يقترب منها عبر مثالة الاستعارة ،ويلامسها عبر الحاسة السادسة بغية إبداع كون جديد،وماهية ماكرة زئبقية ..والشاعر هو ذلك الطفل المشاغب والخارج من قمقم الفوضى.يبحث له عن شذا أزهار برية طالعة من أزمنة المهلهل وابن قزمان..
هو ذلك العنيد الذي يأبى أن تخنقه شراسة حضارة لا تبقي ولا تذر .. ليحتمي بذاكرة تعودت الانتظار على ضوء القمر العربي .. الشعر مملكة بوح لا زالت جاثمة على صدر ملكوت الله. تبحث عن قارورة الأسرار القابعة في تجاويف النسيان..الشعر بوصلة يهتدي بها العشاق؛وبركان أسئلة وقلق يعرف حقا كيف يكسر أقفال اللغات؛ وكيف يبعث حبر القصيدة من جمجمة امرئ القيس..
صدقت حقا يا نزار، حين قلت علانية ًالإنسان حيوان شاعر ً..!فكم قرأنا الحقيقة، ذات الحقيقة في أعماق عيون النجوم الشاهدة إلى حد الآن على ليالي ألف ليلة وليلة..!وكم اختبرنا نوايا سمار الليل على إيقاع نور الفجر الصامت المكبوت..!الشعر حقا قنبلة عنقودية تحملها إلينا عذراء تحركها نشوة تتحدى بها الفناء الرمزي..الشعر أنشودة كونية يحمل إلينا بريد الكينونة الخرساء على صهوة أبجدية عصية..كذب الفلاسفة حين أعلنوا جهرة العناصر الأربعة :النار،التراب،الهواء والماء، متناسين الشعر كعنصر خامس مكون لهذا العالم الغرائبي..كذب المنجمون حين أعلنوا موت صولة زمن الشعر ليقروا بهتانا وجورا ريادة زمن الرواية ..الشعر بني أمي غمامة تظلل ذاكرتنا المتعبة.وبطاقة بريدية تستحضر فينا الفجر البعيد.. من هنا مرت زرقاء اليمامة يا أمل دنقل حين همست في أذنها قائلا ًلا تصالحً..ومن هنا أعلنت يا سعدي يوسف وأنت تقاتل ليلك المغولي ًأسير مع الجميع وخطوتي وحدي ً.يوم ذاك اعترفت طواعية على أن الشعر هو غلالة دهشة بكر.وفي أحضانه شعرت حقا أنك أصبحت مسيطرا على العالم؛ وكل شيء طوع أناملك.. الشعر كما اعترف سعدي هوً أن ترى الناس يرتدون ثياب الملائكة، وكل الوجوه تتحول إلى وجوه أطفال مقدسة..والشجرة تحدثني..ً. الشعر إقامة إجبارية في مملكة الجمال، ومدار يستريح فيه النجم الثاقب فلتصرخ الدنيا!.. مملكة الشعر ..آه يا مملكة الشعر!.. يا مهد طفولة المتنبي ،المعري ،أبي تمام،وناظم حكمت، لوركا، بريفر، بودلير..الخ. يا مبدعة الإنسان من هيولة أبجدية الضاد!..بك أصبحنا أقوى من الزمن العنيد، وعبرك أصبحنا نقترب شيئا فشيئا من الحرية المشتهاة..الشعر هو أن نسقط الحبر على تفاصيل هذا الزمن الهارب منا.هو هذا الضوء الذي أوقد صباحاتنا الفاترة..بربك فك لغز أيامنا ودعنا نعتمر في ديرك الكهنوتي ونغلق باب الدهشة لنعود تائبين إلى زمن الشعر..بربك أنقذنا من هذا العزل المسدود يا أطهر من أي مكان، ويا أحلى من أي زمان..!فخشية منك أيها الشعر العظيم أصبحنا لا ندري في حضرتك هل يحق لنا أن نضحك أم نبكي..؟ورب الشعر ،لا ندري ..!
ولعل الاحتفال بيوم الشعر ليس ترفا فكريا، ولا عرفا دخيلا على أمة كان ويا مكان الشاعر لسان حالها، وهنا لا يمكن أن أقوم بعملية قياسية في الوقت الذي يغيب المقيس ويبقى المقاس عليه حاضرا لكن في ثوب الحداد – آسف على هذه النبرة الحزينة – أكيد أننا نحتفل بكل شيء، فقط يوم الشعر يمر حزينا ولو في فصل الربيع الذي أربكته هو الآخر السياسات العربية وأصبح يخضع لتداخل بين الفصول… من المحتزي أن نعيش كرنافالات متعددة وباذخة تصرف عليها الملايير ولا نحتفي بلسان حال امتنا التي لم تتكلم وتتفاوض إلا بالشعر،نتنقل من موازين إلى تيميتار مرورا بعوالم البذخ والترف اللذين يقام لهما ولا يقعد، ونمسح في ذات الحين عرفا كانت تقام له الأسواق ويستدعى له فطاحل الشعراء للتباري ولم يكن الأمر يتطلب ميزانيات خيالية…ترانا طلقنا سمة من سماتنا التي ميزتنا عن باقي أمم العالم اقصد الشعر؟ ترى أصبح المتلقي العربي في آذانه وقرا ولم يعد يستسيغ سماع ما هو جميل؟ ترى فقدنا متلقي الشعر وحل مكله من يلتهم العناوين الكبيرة التي تمطرنا بها جرائدنا الصماء، وتحول متلقي احمد شوقي والسياب والمجاطي إلى متلقي لميسي ورونالدو وعجرم واللائحة طويلة؟ جميل أن نشنف آذاننا بكل شيء لكن فقط أما كان حري بنا أن نهذب أذواقنا في عمق لم نطلقه تماما لأننا في آخر المطاف أمة شاعرة…؟ أجمل ما عاشه عالمنا العربي هو هذا التحول الجذري الذي عشناه وما كنا نعتقد أننا سنعيش زمنا يعيد لنا أمجادنا على قلة أيامها، وهذا ليس بغريب على عالم الشعر فيا ما تنبأ أمل دنقل للتغير في زمن دخلنا فيه اليأس من أبوابه العريضة… ترى لماذا لسان حالنا دخل معمعة التغيير هذا بشكل محتشم؟ ألم يكن هو السباق لفضح سوءاتنا في محطات عربية فاصلة بدءا من سنة 1948/1967/1982/ وصولا إلى حرب العراق؟ لا أكاد اصدق كم ذاكرتنا قاصرة…عجيب يا ما كنا نعتبر أن مكونات العالم تقوم على العناصر الأربعة: الهواء والنار والتراب والماء فأضاف نزار قباني وبدون خجل عنصرا خامسا ألا وهو الشعر فكم كان محقا ما دام الشعر يمثل رسالة إنسانية ما بعدها رسالة؟ فمن ينكر أن جل أغاني التي تتناول السلام هي في الأصل كتبت شعرا فامتزج الفنان في فن واحد وكان ميلاد السيمفونيات الخالدة؟ومن ينكر أن عالم الانترنيت قطع بنا مسافات ضوئية لا يمكن نكرانها واستطاع أن يوحدنا كونيا وهذا ما لم تقدر عليه الجامعات العربية وغير العربية، والانترنيت هذا الجن الخارج من قمقم التكنولوجيا جعلنا حقا نعيش تحولا كونيا متميزا ويكفي مثالا ما عاشه العالم العربي من حراك غير مسبوق حيث افتضحت في القصيدة، وكان ميلاد عنعنة ويا لها من عنعنة تشكلت في حضرة الأجناس الأدبية عامة والشعر خاصة..من منا لم تصفق للجخ الشاعر الذي هز المتلقي هزا ورفعه رفعا..من ..ومن…
فيا أيها الشعراء اعلموا أنكم انتم سادة هذا العالم الأخرس، انتم كنتم ويجب أن تبقوا لسان حال الإنسان فلماذا تخليتم عن رسالة مقدسة هي من أعطتكم أعلى همة واعلي شأننا، أتراكم رضيتم بالمقام فاقمتم أم ارتضيتم النوم فنمتم وتركم الحبل على الغارب تعالوا نعيد سيرتنا الأولى فنحن ورثة العلماء والرسل بامتياز…..
عبد السلام فزازي .أكاد ير.
0 التعليقات: