كونوا على شعر، على الحافة الحذرة والخطرة دوما
الشاعرعبدالغني فوزي شاعرمن المغرب
1 ـ ماذا يعني بالنسبة لك الاحتفاء باليوم العالمي للشعر ؟
الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، هو في تقديري صيغة ما ، للفت النظر لضرورة إنسانية ينبغي أن نرفدها ، لتستمر بهية . وفي هذا الصدد ، أقول فالشعر ليس للبهرجة والصخب المتأنق ؛ بل للإنصات لأن سيد الكلام على معرفة وتقطيع خاص للحياة والوجود . لكن بتأملنا في يوم اليوم العالمي للشعر ، يبدو أن المجتمع المدني ( الثقافي ) هو الذي ينهض بأعباء هذا الاحتفاء الرمزي على الأرض في إطار البحث عن بنية تحتية ملائمة وجمهور منصت..
وتغلب الملاحظة أن الاحتفاء يكون عبارة عن قراءات شعرية ضمن أمسيات غنائية كأن الأمر يدعو في عمقه إلى التراخي والكسل اللذيذ . وهو ما يقلل من شأن الشعر كرسالة وخطاب له خصوصيته. في المقابل ، الأمر يتطلب التدبر في الشعر : في أسئلته المتعددة في الإيصال ، في الإعلام ، في المؤسسة بتلاوينها المختلفة ، في الشعر والشعراء…فحين نكون في طريق هذا المسعى ، ينبغي التربية على الشعر ، وليس على تلقين يسعى لتبرير أدواته وأصوله النظرية . أكيد أن هذه التربية المفتقدة تدفع إلى خلق الإنصات للذات والأشياء المعتملة في الآخر. والشعر باعتباره يجدد الحياة واللغة ، بإمكانه أن يرفدنا دائما بلمسات ، تجعلنا على انفلات دوما ، وعلى تخلق ينبش في الأصول المنسية لأواصر تربط الأشياء في تناغم عميق سار في الإيقاع،في الموسيقى ، في الشعر، في حركات داخيلة لتشكيلات وجودية تنضح معنى وروحا .
2 ـ كيف ستحتفي قصيدتك بربيعها العالمي في سياق الربيع العربي ؟
كما سلف الذكر، فالشعر يعاني من حيف مركب . ورفع عقيرته في هذا اليوم يعني أنه ذاهب في هذا الاتجاه ؛ أي تثبيت القيم الشعرية والتي هي جوهر الإنسان . وعليه فهذه المناسبة والحراك العربي… معطيات تدعو لإعادة النظر فيما أكتب لكي يكون جذيرا بالحياة التي تنفض نفسها باستمرار، لتتجدد في الامتداد والحرية . على هذا الغرار، قصيدتي تحتفي بقصيدتها دوما وهي تطوي على شيء من الشعر ومن بواطن الإنسان ونزوعه الدائم للتحرر ولو من إسار الذات المصيرة . لكي تكون بإذن ونظر الشعر .
3 ـ في رأيك كيف يستطيع اليوم العالمي للشعر ترميم الخراب في القيم الإنسانية الجميلة التي مسخها هذا التعطش المادي المستفحل في علاقاتنا الاجتماعية اليومية؟
يغلب ظني أن للشعر زمنه الخاص ؛ ويومه العالمي هو بمثابة جرس . وإذا استطعنا جميعا أفراد ا ومؤسسات أن نحوله كذلك أي أن نقرب الشعر من الإنسان في أي مكان وفج . قد ساهمنا أولا في ترسيخ حق الشعر لكي يتمتع به أي أحد . وبعد ذلك سيمتد للعلاقات والأخيلة ليسيل في الشرايين . إلى ذلك الحين ، فالشعر يدب.. هناك إذن إكراهات وحيف مركب تجاه الشعر؛ تجعل هذا الأخير في الثلاجة . نوظفه تحت السقف الخفيض بمقدار، ووفق الهوى السياسي والتاريخي في التبرير والتعضيد للحقائق والمآزق الآنية والظرفية . لاحظوا كم يعتبر الشعر ملحا وسكرا للكثير من الخطب والإنشاءات الباردة. الشيء الذي يمنحها تلك الضربات المدغدغة للعواطف والمحمسة للنهوض ؛ لكن في سياق آخر. فقديما بإمكان بيت شعري واحد أن يحط أو يرفع من شأن قبيلة أو مقام ..الآن ، تحول التراكم الشعري إلى ركام لا نستظل ولا نستدل به.. مما جعل مسيرة سيد الكلام البلورية في المرحلة الراهنة معرضة للأعطاب من لدن سلاح استهلاكي ( بما فيه الاستهلاك الإيديولوجي ) يفرغ الإنسان من إنسانيته بكامل الفن الشائع والمائع . هذا فضلا عن الجوائز التي امتدت للأدب، وحولته إلى حلبة للأرانب التي استلذت الأمر وخاضت فيه مقابلات ومقابلات لا تفضي لأي أدب. وهو ما أدى إلى سوء فهم امتد بين الشاعر وقصيدته . فأصبحنا نتحدث عن الشاعر الأوحد والأكبر الذي يهندس المشهد الشعري ويطلق فتواه أيضا، لمنح الشرعية الشعرية .
الشعر أكبر من أي أحد، ومن أي تسطير أو ترميز . وكلنا نسعى إليه بما استطعنا إلى ذلك….
4 ـ إلى أي حد أسهم الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في الارتقاء بعلاقاتك الشعرية ؟
في عالم هذه الوسائط ، وضمن المجال الأدبي ، ظهرت مواقع ثقافية ضمن الشبكة الإلكترونية، تمتص الإبداعات على اختلاف أشكالها من شعر وقصة ورواية .. وهو ما ساهم حقا في توفير مساحة حرة دون رقيب ولو أدبيا أحيانا. فأصبح الأدب منسابا كبحيرة في جزيرة ما ، ضمن واقع يحاصر المساحات الثقافية ويطاردها نظرا للأعطاب الكثيرة المعروفة .
فالشبكة هذه ، لا تكتفي بالعرض فقط ، بل خلق نوع من الحوار المباشر حول الإبداعات، وهو ما أدى إلى تفاعل مباشر، دفع الكثير من النوافذ الإيصالية إلى تطوير تأثيثها الداخلي قصد سهولة الاستخدام وإثارة المشاهد جماليا . وبالتالي، فالصفحة على الإنترنيت تتصف ليس فقط بعرض وطول، بل برحابة وعمق الداخل. فبدأ هذا الواقع الإلكتروني ينتج آلياته التواصلية وخصوصية تلقيه.
في هذا السياق، بالنسبة لي، قد استفدت من هذه النافذة على مستويين:
ـ على المستوى الثقافي العام : الاضطلاع على تجارب إبداعية متعددة المرجعيات والرؤى ، وبالتاي يغدو التفاعل طريا وآنيا ، ينعكس بشكل من الأشكال على مناحي التجربة الإبداعية الخاصة . لكن ذلك لا ينفي العلاقة بالواقع العربي في تمفصلاته وتجلياته المختلفة .
ـ على مستوى التجربة الخاصة: أعترف في البدء أن الإنترنيت ساهم في التداول لما نكتب على مستوى واسع، وبالتالي الانفتاح على منابر عدة ( ورقية وإلكترونية ). وهو ما يجعلني أكثر مسؤولية أمام ما أكتب . من هنا، نقر أن الكتابة الآن، تعني البحث عن حيز من البياض يحمل بصمتك الخاصة بين تعدد الأصوات والتجارب التي تصل على حد المسخ والتشابه البارد الذي تنتفي معه الملامح تماما. وعليه، أعتبر الإنترنيت مجرد وسيلة للإيصال والتواصل وليس غاية لنقيم فيه كغثاء.
وفي نفس الآن أقول إن هذه الموجة الرقمية ، لاتضيف لجوهر الكتابة شيئا ، الكتابة كطريقة في الاشتغال والرؤيا للذات والعالم . وبالتالي فالإحساس بطعم الكتابة ينبع من الداخل .
5 ـ كلمة أخيرة للشعراء في هذا العيد العالمي ؟
أقول هامسا خلف شيخوخة الطبول :
كونوا على شعر، على الحافة الحذرة والخطرة دوما . أو اتركوه حين يتركم ، وأنتم تختارون العالم والجري في صابونه .
طبعا أخبىء تحياتي وراء هذا المد…
عبد الغني فوزي
شاعر من المغرب
0 التعليقات: