الزهرة رميج قاصة وروائية مغربية
1- عن بداية علاقتك بالإنترنت متى وهل كنت
تتهيبين من المغامرة لاكتشاف هذه القارة الشبكية؟
- بدأت علاقتي بعالم الإنترنت قبل ثماني سنوات.
كنت طبعا، أتهيب هذا العالم الغريب الذي تنفتح عوالمه السحرية بمجرد النقر، وبدون ما
حاجة إلى حفظ الطلاسم ومباركة الجن! كنت أقف مشدوهة بل ومنبهرة بتلك السهولة والبساطة
التي تقدم بها الشبكة العنكبوتية فيض المعلومات، وبتلك الدهاليز التي تنفتح سلسلة أبوابها
بشكل مثير. كان انبهاري نابعا من كوني أنتمي إلى جيل الكتاب الورقي والمحبرة والقلم
صاحب الريشة، الجيل الذي لم تكن المعلومات تتاح له إلا بمشقة النفس، أي بفتح العديد
من الكتب والتخبط في بطونها!
2- بين الورقي والشبكي ما الذي تغير في درجات عطائك وتواصلك مع المتلقي العالم
أو المتلقي المفترض؟
تجاربي في النشر الالكتروني محدودة. لكني أستطيع الحديث عن تجربة النشر
في الموقع الالكتروني “دروب” التي استغرقت عدة سنوات، كنت خلالها حريصة على النشر باستمرار.
أعتبر تلك التجربة جد مهمة، إذ كانت تسمح لي بالتواصل مع القراء ومعرفة أرائهم وتقيمهم
للنصوص المنشورة. إن هذا التواصل مع القراء الذي يتيحه النشر الالكتروني هو ما نفتقده
في النشر الورقي. فالنص المنشور إلكترونيا، نص حي ومتجدد باستمرار. التعليقات عليه
قد تستمر بعد نشره، لشهور وحتى لسنوات، بينما النص الورقي من هذا المنطلق، يكون نصا
جامدا. ومن هنا، أعتبر أن النشر الالكتروني يجعل الكاتب يتواصل بشكل كبير مع القراء
(أو على الأقل يعرف إن كان نصه قد قرئ أم لا) وينفتح أكثر على العالم وعلى تجارب الكتاب
الآخرين سواء على الصعيد العربي أو العالمي، وهذا الانفتاح يساهم بدون شك، في الرفع
من مستوى العطاء خصوصا إذا ما تعامل الكاتب بجد مع هذه الإمكانات الهائلة التي تفتحها
أمامه عالم النشر الالكتروني.
3- إلى أي حد أسهم الإنترنت في بلورة تجربتك
الكتابية مقارنة مع الكاتبات الأخريات والكتاب الآخرين؟
- لا أعتقد أن الإنترنت، ساهم في بلورة تجربتي
الكتابية. فأنا لم أخض مغامرة الكتابة مباشرة عبر الانترنت، ولم أتوسل في كتابتي بما
تتيحه من إمكانات تكنولوجية، مثلما يفعل الكثير من الكتاب وخاصة منهم الشباب، الذين
انفتحوا باكرا على هذا العالم، وبدأوا بالنشر الكترونيا، واستفادوا من كل الإمكانيات
التي يتيحها سواء على المستوى التقني أو المستوى التواصلي ليطوروا مشروعهم الكتابي.
أنا كائن ورقي كما أسلفت القول. وغالبا ما تكون النصوص التي أنشرتها الكترونيا، منشورة
سلفا، في الصحف والمجلات الورقية. كما لم يسبق لي أن نشرت أي كتاب نشرا الكترونيا.
لهذا، أعتبر نفسي متأخرة نوعا ما، عن بعض الكتاب والكاتبات الذين اقتحموا عالم الإنترنت
من بابه الواسع، وخاضوا تجارب مختلفة في كتابة النصوص المرتبطة بعالم الانترنت ارتباطا
وثيقا.
4- ما هو إحساسك وأنت تنتشين بنصك الإبداعي
الأدبي على ورق الجريدة وأمامك على الواجهة الإلكترونية … فإلى أي النصين التوأمين
تنجذبين أكثر؟
- الحقيقة أن الانتشاء بنشر نص ما، كان يحدث في بداياتي فقط. ذلك أن النشر
بالنسبة للكاتب في بداياته يعتبر اعترافا بقيمة ما يكتبه، وبالتالي الاعتراف به ككاتب.
وبما أن بداياتي كانت في الصحف والمجلات الورقية، فقد كنت أنتشي بنصوصي منشورة فوق
صفحاتها. لكن مصدر نشوتي آنذاك، لم يكن لكونها ورقية، وإنما لكونها منابر عربية وازنة،
تنشر نصوصي في الوقت الذي كان النشر فيه في الصحف والمجلات المغربية مرهونا بالعلاقات
الحزبية أو غيرها من العلاقات. لكن هذا لا يعني أن النص المنشور إلكترونيا، لا يترك
أي أثر. فمتعة النص الحقيقية تكمن في التواصل مع القراء ومعرفة ردود أفعالهم. وهذا
التواصل هو ما يهمني من نشر نصوصي الكترونيا. وعندما أتحدث عن التواصل، فإني أقصد به
القراءة الجادة للنصوص ومناقشتها بعمق، من أجل الارتقاء بفعل الكتابة، وليست تلك المجاملات
والمبالغات في الإطراء أو الانتقاد الذي يصل حد الابتذال أحيانا، الأمر الذي يجعل النشر
الالكتروني المنفتح على القراء يحيد عن هدفه النبيل.
5 – تثار غالبا إشكالية الخصوصية وعلاقتها بظاهرة
الشبكات الإجتماعية (الفايس بوك – التويتر ) وغيرهما لكن عادة ما يقترن هذا السؤال
بالشخصية الذكورية العربية .. ألا يمكن أن يكون حذر الكاتبة العربية وحرصها على سرية
خصوصيتها امتدادا لعقلية (التقية) التي تحكم المجتمع النسائي العربي بشكل عام ؟
- عقلية (التقية) لا تحكم فئة النساء وحدها
وإنما فئة الرجال أيضا. فهي سمة المجتمع العربي الذي ظل يرزح تحت وطأة الأنظمة الديكتاتورية
القائمة على القمع والقهر والكبت. والحرص على الخصوصية في رأيي مسألة مطلوبة ما دامت
هذه الخصوصية ليست ذات قيمة أو فائدة بالنسبة للآخرين. بخصوص انخراط النساء في الشبكات
الاجتماعية لا علم لي بمدى إقبالهن عليها ولا أتوفر على إحصائيات بهذا الشأن. وبالتالي،
لا يمكنني الحديث عن دوافع الانخراط من عدمه. لكن فيما يخصني شخصيا، لم أنخرط في شبكة
(الفايس بوك) بسبب نظرتي لهذا الموقع من زاوية سياسية. لقد كنت أرى أن هذا الموقع يعتبر
أكبر شبكة اجتماعية تقدم المعلومات مجانا، وقد يكون عينا للجهات الاستخبارية الغربية
على العالم العربي والعالم الثالث. إذ من المعلوم أن هذه الجهات كانت دائما، تهتم بدراسة
المجتمعات المتخلفة عن طريق بعثات ترسلها تحت مسميات مختلفة لتحتك بهذه الشعوب وتعرف
أدق تفاصيل حياتها وتفكيرها. لكن الثورات العربية التي انطلقت من هذه المواقع أثبت
لي أن الانترنت مثله مثل كل مظاهر العلم سلاح ذو حدين، يخدم الأخيار كما الأشرار كل
حسب نواياه وأهدافه.
6- النص الأدبي الرقمي أو التشعبي أو المترابط
من دون شك سوف يصبح الظاهرة الأدبية القادمة بقوة مع اتساع أسناد التلقي الإلكتروني
.. بحيث ومن دون شك سوف تصير الأدوات والبنيات التفاعلية (روابط .. عقد .. ميديا
.. صور.. ألوان .. مؤثرات فلاش .. إلخ ) جزاءا أساسيا في وحدة النص الأدبي الرقمي ،
لكن بقدر ما ستغنيه هذه المؤثرات ألا نخشى على كنهه الجوهري من التواري إن لم نقل التلف؟
- الحقيقة أن الإمكانيات التي يتيحها الإنترنت جد مغرية، ولا شك أن النص
الأدبي الرقمي سيسعى بقوة، للاستفادة منها إلى أقصى حد. فالجيل الذي تربى في حضن الانترنت،
وتعود على القراءة عبرها- لا عبر الكتاب الورقي- وبالتالي تعود على التعامل مع الروابط
والمؤثرات الصوتية والصور وغيرها، قد يكون هو الجمهور الذي يشجع على المضي قدما في
هذا الاتجاه. لكني شخصيا، أرى أن كثرة هذه الروابط والمؤثرات ( كالاستعانة في النص
الأدبي بالصور الطبيعية والمقاطع الموسيقية ورنات الهاتف النقال والروابط الخاصة بالأفلام
أو غيرها) يشتت الذهن ويحول دون التركيز على جوهر النص الأدبي الذي هو في الأساس كائن
لغوي… هذا من وجهة نظري باعتباري في الأساس، قارئة للنصوص الأدبية غير الرقمية. لكن،
قد لا يكون الأمر كذلك، بالنسبة للجيل الذي تفتحت ذائقته على هذا النوع من النص الأدبي.
7 – الوجه الحقيقي اليوم للثقافة العربية أنها مازالت كدود القز ثقافة تقتات
على الورق لحبك نسيج هويتها والعديد من الكتاب والكاتبات مازلن تتلمسن في العتمة ضوء
الإنترنت… ما السبيل إلى جعلهن ينخرطن بشكل أيسر في الثورة الرقمية والشبكية الراهنة؟
- يوحي هذا السؤال بأن الكتاب الورقي أصبح
تجسيدا للماضي “المتخلف” الذي يجب تجازوه. لكني أعتقد أن الكتاب الورقي لا يمكن الاستغناء
عنه. وبأنه سيظل يسير جنبا إلى جنب مع الكتاب الالكتروني. وهذا ما تثبته اليوم، الدول
المتقدمة التي سبقتنا إلى هذا العالم. لذلك، أرى أن الانفتاح على الانترنت لا يتناقض
مع الاهتمام بثقافة الورق ولا يبخسها حقها. إذ لا يجب أن ننسى أن المعلومة الصادرة
في الكتاب الورقي تتوفر على المصداقية أكثر من المعلومة التي قد تنتشر في المواقع الالكترونية
دون التأكد من مرجعيتها، والتي يمكنها أن تتغير باستمرار. أما تقديم الحلول لجعل الكتاب
والكاتبات ينخرطون في الثورة الرقمية بشكل أيسر، فلا أرى نفسي في الموقع الصحيح الذي
يؤهلني لذلك، ما دمت أنا نفسي غير منخرطة بالشكل المطلوب في هذا العالم. فرغم أن الانترنت
أصبح بالنسبة لي، مصدرا هاما للمعرفة على المستوى الثقافي والسياسي والحياتي العام
بحيث لا أتخيل نفسي أعيش بدون هذه النافذة السحرية التي تضع العالم بين يدي في كل وقت
وحين، فأنا ما زلت لم أستغل بعد، كل الإمكانيات التي يتيحها لي باعتباري كاتبة. أي
أني لا أنشر كتبي الكترونيا، ولا أكتب نصوصا رقمية، ولا أنخرط في شبكة فايس بوك، ولا
أتوفر على موقع إلكتروني خاص بي. لقد أصبحت هذه الأمور من متطلبات العصر. لذلك، فإني
بهذه المناسبة، أنصح نفسي قبل غيري، بالانخراط أكثر في عالم الانترنيت. فما دام العالم
الغربي قد فتح أبوابه في وجهنا، علينا نحن أيضا، أن نفتح أبواب ثقافتنا العربية في
وجه لنعرف بحضارتنا وتراثنا وأدبنا.
8- في رحى هذه الثورات العربية من المحيط إلى الخليج الكثير ممن يدعون أن
الفايس بوك كان هو ذلك الشيطان الكامن في التفاصيل الذي أضرم النار من تحت أرائك الإستبداد
.. هل أنت مع هذا الرأي أم ضده أم لك رأي آخر؟
- لا شك أن الفايس بوك لعب دورا هاما بل وحاسما
في الثورات العربية والإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية. وأهميته تكمن في توفيره المكان
الافتراضي لاجتماع آلاف بل ملايين الأشخاص دون طلب إذن الاجتماع ولا البحث عن مكان
الاجتماع. وما كان للشباب أن يجتمعوا بتلك الكثافة لو كان الأمر يحدث على أرض الواقع
لا في العالم الافتراضي. لكني لا أعتقد أن الفايس بوك وحده من قام بذلك. أعتمد في هذا
الرأي، على متابعتي منذ سنوات، لما يحدث في مصر من خلال القنوات الفضائية الحرة. لقد
لعب الكثير من الصحفيين (الصحافة الورقية) ومعدي البرامج دورا هائلا في كشف حقيقة النظام
الفاسد، بالوثائق والأدلة والصورة المجسدة( كصفقات القمح الفاسد، ومياه مصر الملوثة،
والمواد الغذائية المسرطنة، والتزاوج بين السلطة والمال، ومستوى الفقر المدقع الذي
يعيشه الشعب المصري، وتضخم الثروة لدى أقطاب الحزب الحاكم، وبيع كل مرافق الدولة الحيوية
للقطاع الخاص، وتصدير الغاز بأبخس الأثمان لإسرائيل…) كما أن شخصيات كثيرة وحركات معارضة
مثل “كفاية” لعبت دورا كبيرا في محاربة النظام وإبراز مظاهر الفساد الذي أصبح المؤسسة
الوحيدة المسيطرة في البلاد حسب رأي أحد المفكرين المصريين. لهذا، أعتبر أن فايس بوك
قد ساهم إلى جانب كل هؤلاء. وأن أهمية مساهمته تكمن في تجميع كل الطاقات الشبابية التي
تغذت بدون شك، من كل تلك المنابر التي كانت تحرص على فضح النظام والتنديد بالفساد والإفساد.
وما كان لأحزاب المعارضة أن تجمع وتجند الأعداد الهائلة التي استطاع (الفيس بوك) تجنيدها.
من هذه الزاوية، يبقى له الفضل الأكبر في هذه الثورات المباركة وعلى رأسها الثورة المصرية
التي أطاحت بالفرعون الأخير.
9- ما هو عملك الإبداعي الأدبي القادم، ولمن
سيكون السبق في نشره للورق أم للإنترنت؟
- كما أسلفت القول، لم يسبق لي أن نشرت كتابا
من كتبي على الانترنت. لذلك، فعملي القادم (وهو رواية) سينشر ورقيا، بإحدى دور النشر
العربية. وهذا لا يعني التقليل من شأن النشر الالكتروني الذي أفكر جديا، في خوض غماره
مستقبلا لكونه يضمن فئات عريضة من القراء، ويحقق بذلك، ما يحلم به كل كاتب.
الزهرة رميج
0 التعليقات: