ذة : مريم الدمناتي عضوة المرصد الامازيغي للحقوق
الحريات والباحثة في بيداغوجيا اللغة الأمازيغية
الاعتراف بالأمازيغية يقتضي تبني الامازيغية ككل
أي لغة وثقافة وحضارة*
س : في رأيكم كيف تقيمين ماتحقق في المغرب من منجزات
دستورية وسياسية وحقوقية للمكون الأمازيغي مقارنة مع وضعه في باقي الدول العربية الأمازيغية
الأخرى ؟
ج : وضعية الأمازيعية حاليا بالمغرب هي وضعية اللغة
الرسمية أي لغة المؤسسات ولغة الدولة، وهذا يعطيها الحماية القانونية التي كنا نطالب
بها في الحركة الأمازيغية منذ مدّة طويلة. وأعتقد أن هذه الوضعية تتناسب مع واقع كون
الأمازيغية في المغرب تتواجد بكثافة أكبر، ولأن نسبة الناطقين أعلى من كل الدول المغاربية
الأخرى والشمال إفريقية. لقد كانت الامازيغية في كل دول شمال إفريقيا تعاني من نفس
السياسة التي يطبعها الميو الصارخ جراء تبني إيديولوجيا القومية العربية، إما بشكل
مباشر وصريح كما كان شأن النظام الناصري ونظام القذافي والنظام الجزائري وإما بشكل
أقل بروزا كما كان عليه الأمر في المغرب وتونس. وإذا كان المغرب قد سبق الجميع في ترسيم
الأمازيغية فذلك راجع إلى عوامل عدة منها طبيعة النظام السياسي الملكي بالمغرب الذي
يتميز ببعض المرونة مقارنة بالأنظمة في البلدان الأخرى، وبحرصه على الحفاظ على التوازنات
الداخلية لدوام الاستقرار، ومنها أيضا انتشار الحركة الأمازيغية في كل مناطق المغرب
من الشمال إلى الجنوب، وانتهاج أسلوب الحوارالفكري والسياسي عوض التصادم والعنف الذي
ميز بلدان الجوار.
لكن رغم هذا الإنجاز الإيجابي الذي ساهم فيه بنسبة
كبيرة أيضا سياق الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في بلدان شمال إفريقيا، إلا أن الفاعلين
الأمازيغيين مازالوا يعتبرون أن هناك معركة كبرى تنتظرهم وهي إرساء قانون تنظيمي يضمن
للأمازيعية تفعيل طابعها الرسمي في قطاعات الحياة العامة، وهذا هو الذي سيمكننا من
تجاوز العثرات التي عرفتها تجربة العشر سنوات الأخيرة التي عرفت عرقلة كبيرة لهذا الملف.
س : ماهي في رأيك الآليات القمينة برد الإعتبارللتاريخ
والحضارة الأمازيغيتين في ظل الحفاظ على وحدة الهوية المغربية في كل أبعادها الإثنية
والثقافية والسوسيولوجية ؟
ج : أول ما ينبغي الانكباب عليه حاليا هو العمل
على صياغة قانون تنظيمي يضمن الحفاظ على مكتسبات الأمازيعية الأربعة والتي هي الإلزامية
والتوحيد والتعميم وحرف تيفيناغ، غير أن هذا القانون عندما تتم صياغته ينبغي أن تتم
حملة توعية واسعة بمضامينه لتحسيس المغاربة باهمية ذلك، فالأمر يتعلق في العمق بتغيير
الذهنية المغربية، وهذا ما يجعل من إعادة قراءة تاريخ المغرب أمرا حتميا وضروريا، لأنه
من غير الممكن إنصاف الأمازيغية بدون تغيير نظرة المغاربة إلى ذواتهم وهذا يقتضي تعديلا
كبيرا في التاريخ الرسمي المعتمد حتى الآن.
ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن التعليم هو أساس نجاح
كل هذه العمليات، مما يحتم التركيز عليه في القانون التنظيمي باعتباره الأولوية القصوى،
ومن المسلم به أنّ اللغة الامازيغية بعد أن صارت رسمية لم يعد يتصور أن تخصص لها ثلاث
ساعات فقط، مما يحتم إعادة صياغة برمجة مكانة هذه اللغة في النظام التربوي المغربي
بما يتناسب مع مكانتها في الدستور.
س : كيف تنظرين إلى مستقبل المكون الأمازيغي على
مستوى دول شمال إفريقيا ألا تهدد بعض دعوات الإنفصال التي تجهربها بعض هيآت المجتمع
المدني الأمازيغي القاطنة في أوروبا إلى تهديد الإستقراروإلى المزيد من الإنفجارات
في هذه الدول ؟
ج : من خلال الأحداث الأخيرة وخاصة بعد الانتفاضات
الشعبية يمكن القول إن الظروف الجديدة قد سمحت للأمازيغ بأن يظهروا على مسرح الأحداث
في الدول التي عرفوا فيها قمعا كبيرا مثل ليبيا وتونس ومالي، عير أن العوائق ما زالت
موجودة بسبب استحكام ذهنية الميز في النفوس، ففي ليبيا رغم اتحاد الجميع ضد نظام القذافي
إلا ان الكثير من المشاركين في الثورة يحملون أفكار القذافي تجاه الأمازيغية بسبب
42 سنة من سياسة الميز والإرهاب المتبعة وخاصة في التعليم والإعلام. فالظروف الحالية
إذن ملائمة لغعادة بناء الذات في كل هذه البلدان، ومن المؤكد بان الأمازيغية ستلعب
دورا استراتيجا مستقبلا وخاصة في مواجهة الإرهاب الديني والتطرف الوهابي الذي تدعمه
السعودية وقطر بأموال البترول في إطار مخطط يهدف إلى إجهاض الانتفاضات والتحكم في التطورات
الجديدة.
أما نزعات الانفصال فسببها التهميش الكبير الذي
يبلغ حدّ الإذلال، وعدم رغبة النخب المركزية في اقتسام الثروات وإنصاف المكونات المختلفة،
وهو ما يجري في منطقة القبايل بالجزائر ومنطقة ازواد في مالي، أما المغرب فلا يعرف
أية دعوة للإنفصال سوى دعوة البوليزاريو وباسم العروبة ةليس الأمازيعية، إذ هدف الإنفصاليين
في الصحراء كما هو معروف إقامة الجمهوية العربية الصحراوية في جنوب المغرب. أما الأمازيغ
المغاربة فهم الشعب المغربي المتواجد على التراب الوطني. والدعوات التي عبر عنها الفاعلون
الامازيغيون لا تتعدى الحكم الذاتي كما هو الشأن في الريف، وإذا اما تقرر منح الحكم
الذاتي للصحراء فسيكون أمرا حتميا أن تطالب به الجهات الأخرى.
س : وضعت ميكروسوفت ويندووز8 تيفيناغ ضمن الخطوط
المعتمدة عالميا مما سيمكن التراث والحضارة والثقافة والأدب الأمازيغي من أدوات المعلوماتية
والرقمية والنشرالإلكتروني على أوسع نطاق شبكي (إنترنت) . ألا يمكن الحديث اليوم عن
بداية إنشطارفي مكونات الهوية المغربية إلى مكونين مستقلين أحدهما عن الآخر؟؟
ج : الوحدة بمعناها الديمقراطي إنما تتقوى بحماية
التنوع والتعدّدية واحترامهما، والاعتراف بالأمازيغية يقتضي تبني الامازيغية ككل أي
لغة وثقافة وحضارة، والحرف الأمازيغي تيفيناغ هو أحد أقدم رموز الحضارة الأمازيغية
في شمال إفريقيا، وهو مرتبط بالتاريخ القديم الما قبل إسلامي ولهذا يزعج بعض الذين
يريدون أن يبدأوا تاريخ المغرب من مجيء الإسلام والعرب. ووجود تفيناغ في الفضاء العمومي
سيشكل جزءا من الهوية البصرية للمغرب، وقد أصبح لحرف تيفيناغ امتداد خارج الوطن بعد
أن تبناه الأمازيغ الليبيون بدورهم وأدرجوه في التعليم والفضاءات العمومية. كما أن
هناك من يدعو في الجزائر إلى إعادة النظر في استعمال الحرف اللاتيني في كتابة الامازظيغية
واعتماد حرف تيفيناغ اقتداء بالتجربة المغربية. هذا دون أن ننسى بلدانا مثل مالي والنيجر
وجنوب الجزائر حيث دأب الطوارق منذ القديم على استعمال حرف تيفيناغ حتى الآن.
س : على المستوى الإعلامي الورقي والسمعي البصري
كيف تقيم التجربة الحالية وماهي مقترحاتك للنهوض إعلاميا بالمكون الأمازيغي ؟
ج : هناك إقبال كبير على المجلات والمنابر الإلكترونية
التي أصبحت تعدّ بالمئات، ويرجع ذلك إلى عدم نجاح التجارب الامازيغية في الصحافة الورقية
بسبب ضعف الإمكانيات وانعدام الدعم وعدم وجود اللغة الامازبيغبية في التعرليم منذ عقود،
مما أبطأ وجود جمهور قارئ بالامازيغية كما بالعربية والفرنسية.
أما على المستوى السمعي البصري فإن إنصاف الامازيغية
في هذا المجال يتوقف بشكل كبير على القانون التنظيمي القادم، وذلك بسبب إصرار القيمين
على الإعلام على الاستمرار في سياستهم العنصرية رغم كل التطورات التي عرفتها البلاد،
حيث لم تف القناتان الأولى والثانية بتعهداتهما في دفاتر التحملات التي وقعتاها منذ
2006، كما أن القنوات الأخرى لا تعتمد الامازيغية إلا للاستئناس، وأما القناة الأمازيغية
فقد ظهر أن طموحاتها أكبر من إمكانياتها، كما أن تواجدها تحت وصاية القطب العمومي جعلها
عاجزة عن العمل في المستوى الذي تطمح إليه. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القناة ما زالت
لم تحظ حتى الآن بالبث الأرضي مما يحرم أغلبية الأمازيغيين في المناطق المهمشة بالتقاط
هذا القناة.
وبالنسبة للإذاعات الخاصة فقد تبين عدم احترام العديد
منها لقانون السمعي البصري الذي وضعته الهاكا فيما يخص التعددية اللغوية والثقافية،
دون أن تتعرض لأية محاسبة. ولعل القانون التنظيمي سيكون في حالة إذا ما توفرت فيه الشروط
المطلوبة عامل حسم في إنصاف الامازيغية في الإعلام.
قام مشكورا بترجمة مساهمة مريم الدمناتي الأستاذ
أحمد عصيد
0 التعليقات: