الأديبة المغربية زهوركرام
1 – عن بداية علاقتك
بالإنترنت متى وهل كنت تتهيبين من المغامرة لاكتشاف هذه القارة الشبكية …
ج/ علاقتي بالانترنت بدأت مبكرا، وهذا راجع لكوني
أحب المغامرة في كل جديد، وأتوق للتعلم والتعرف، ودائما أجد نفسي مقبلة على الاكتشاف
والمغامرة للمدهش والغريب وغير المألوف. طبيعتي تدفعني باستمرار للإقبال برغبة التعلم
على كل شئ مثير. أيضا ما جعلني أنفتح على عالم الانترنت مبكرا، عملي في البحث العلمي،
وهو عمل يدفعني إلى البحث عن أكثر السبل وصولا إلى المعلومة والمعرفة. وجدت في هذا
الوسيط التكنولوجي فضاء رحبا للسفر في المعرفة والمعلومة. يوما بعد يوم ، وجدتني أنخرط
في هذه الثقافة الجديدة، التي كلما انفتحنا على زمنها، كلما جعلتنا نعيد النظر في سلوك
وعينا، وممارستنا للفعل الثقافي والإبداعي والعلمي. من يومها، أصبح التعامل مع الإنترنت
حاجة يومية، بل عبرها أصبحت أتعامل مع كل حاجياتي الثقافية والإبداعية والعلمية. وعلى
الأخص في حياتي الجامعية. فعبرها نتواصل بالجامعة، من حيث ضبط الاجتماعات وإرسال التقارير،
والتنسيق ، وأيضا إرسال الدعوات وغير ذلك مما ساعدنا على تنظيم تصريف أجندة العمل.
هي وسيط جديد، أهلنا لكي نعيش أسلوبا جديدا في الحياة. لم نعد نحن كما كنا قبل هذا
الوسيط. الأكيد، أننا نتغير، عندما يتغير إيقاع حياتنا وفكرنا ومن ثمة يصبح لوعينا
شكلا آخر.
2 ـ بين الورقي والشبكي
ماذا الذي تغير في درجات عطائك وتواصلك مع المتلقي العالم أو المتلقي المفترض ؟
ج/كل وسيط جديد إلاّ ويغيّر فينا أشياء كثيرة. نحن
نتغير. صحيح، إنها عبارة عن وسائط، ولكنها في ذات الوقت، تغير رؤانا وطريقة تفكيرنا
. طبعا، الورقي ما تزال نكهته ، وما يزال يفرض زمنه بكل ثقة وموضوعية أيضا، لكونه المألوف،
إضافة إلى كون الحاجة إليه ما تزال مطلوبة، مع ضعف شروط الشبكي، لكن ، الوسيط الشبكي
بدأ يفرض زمنه، بطريقة منتجة بالنسبة للمبدع والناقد والمفكر. ولهذا، أعتبر أن هناك
منافسة بين الورقي والشبكي تحدث بطريقة غير معلنة، وهي منافسة إيجابية، لأنها تخدم
–في النهاية- الكاتب والمثقف. فالتنافس بين الوسائط يكون في صالح المنتوج الفكري والإبداعي.
بالنسبة إلي، منحتني الشبكة أفقا جديدا للتواصل مع الآخرين، ومنحت لكتاباتي أفقا مدهشا
للسفر إلى الآخرين. كلنا نعلم، أن الوسيط الورقي كما عشناه /نعيشه تتحكم في بعض مظاهره
الإيديولوجيا، خاصة في فترة معينة في بلدنا، حين كانت الصحف الوطنية تعطي الأسبقية
في النشر إلى المنتمين إليها حزبيا، أو المتعاطفين، أو الذين ينهجون نهجها، في هذه
الفترة لم يكن الوسيط الورقي ديمقراطيا، ولم يكن منفتحا على الكتابات بشتى اختلافاتها،
أضف إلى ذلك أزمة النشر والتوزيع التي نعاني منها في المغرب. كل هذه العوامل عرقلت
سير الوسيط الورقي، ولم تسمح له بنشر الكتابات المغربية بالشكل المطلوب. لهذا، لم ينفتح
إخواننا بالخليج أو المشرق العربي على الإبداعية المغربية على الخصوص، وعلى الرؤى المغربية
بشكل عميق إلا مع الشبكة العنكبوتية التي فكت الحصار على الكتابات المغربية، وجعلت
الآخرين ينتبهون إلى ما تحمله هذه الكتابات من صور ورؤى جديدة تغني المشهد الثقافي
العربي. من هنا، تأتي أهمية الشبكة في كونها تأتي خارج قيد الإيديولوجيا، ووصايا العشيرة
الحزبية، ومنطق السلطة المدبرة للشأن الثقافي. أغلبية كتبي وكتاباتي وجدت الصدى الأكبر
مع الشبكة، حتى كتبي الورقية يتم التعريف بها شبكيا، ويكتب عنها أنترنيتيا، كثيرا ما
أتوصل بإميلات من باحثين من دول عربية كثيرة، يطلبون فيها بعض كتبي التي وجدوا إخبارا
عنها في مواقع، أو وجدوها موثقة في إحالات دراسات منشورة في مواقع، وبفضل هذا ،أبعث
لهؤلاء الباحثين والكتاب كتبي، فتكون الشبكة بهذا وسيطا مدهشا لسفر أفكاري، أي سفري
أنا. نحن نسافر كل ثانية عبر هذا الوسط، وتسافر معنا أفكارنا. بل الأجمل من كل هذا،
أن عبر هذا الوسيط بتنا نسوّق شخصيتنا بأسلوب مثير عبر إرسال كتاباتنا التي أعتبرها
دائما هي وجهنا، وروحنا. مع ذلك، فأنا لست من النوع الذي يذهب باتجاه القول بتراجع
الورقي، أو أن الورقي في طريقه إلى الزوال بشكل نهائي. أنظر إلى المسألة بموضوعية وفق
الشروط التي نعيشها. الورقي سيظل حاضرا وحيا وموجودا ، ووظيفته لا يلغيها الشبكي، وستظل
نكهته استثنائية، والشبكي أراه قادم يبحث له عن الشرعية الموضوعية. هو حاضر، لكنه يعيش
زمن البحث عن التأصيل المشروع، والشرعية التي أتحدث عنها، لا تعني الاعتراف به، فهو
محقّق، ويفرض زمنه بإيقاع سريع ومدهش، إنما تأطيره وتأصيله وفق منظومة مرجعية. دون
أن يعني هذا، إدخاله في مؤسسة/ سلطة، لكن، كل ظاهرة، عندما تبدأ في الانتشار، وإحداث
التراكم، تصل إلى مرحلة التأصيل حتى لا تنزاح عن أصالتها المفترضة، لأننا في النهاية،
نبحث عن كل السبل خدمة للإنسان ولمنتوجه بقيم إيجابية، وعن أكثر السبل ضمانا لدمقطرة
الفعل الإنساني، وتحصينا لكرامته. الشبكي مجرد وسيط، والتعامل معه ينبغي أن يتم بالعقل
البشري القادر على جعل الوسيط في خدمته، حتى لا يحدث العكس، ويصبح الوسيط ذاتا والعقل
البشري موضوعا.
3 ـ إلى أي حد أسهم
الإنترنت في بلورة تجربتك الكتابية مقارنة مع الكاتبات الأخريات والكتاب الآخرين ؟
. ج/ أظن أن كل كاتب/كاتبة
في المنطقة العربية يشتغل على النت، إلا واستفاد من هذا الوسيط. لأن هذا الوسيط يقدم
خدمات سريعة للكتابة، ولا يفرض وصايا. وتبقى أصالة كل كتابة مرتبطة بشأن مبدعها. صحيح،
ليس هناك قيد أو شرط، في الشبكة، البعد الافتراضي يهمين على منطقها، والإحساس بالحرية
في النشر والكتابة مؤمّن مع غياب الرقيب فردا أو مؤسسة، لكن في النهاية، الصحيح هو
الأبقى. نتحدث الآن عن كتابات غير ناضجة في النت، وعن دراسات خارج المنطق النقدي، نتحدث
عن مفهوم الكاتب والمبدع والقارئ في النت، نتحدث أيضا وبصورة كبيرة عن اللغة التي نكتب
بها في النت، وعن بدايات انزياحها عن منطقها التركيبي، كل هذا الحديث أراه إيجابيا،
لأنه على الأقل يخلخل المؤسسة الثقافية واللغوية، ويجعلنا نطرح أسئلة ربما كنا نرى
طرحها في زمن الوسيط الورقي مسألة غير ممكنة. لكن، مع ذلك ينبغي أن نتأمل هذه الأسئلة
بجدية علمية حتى نضمن استثمارا إيجابيا للوسيط الشبكي. ولا نخسر وعينا بهذه الثقافة.
4 ـ ماهو إحساسك وأنت
تنتشين بنصك الإبداعي الأدبي على ورق الجريدة وأمامك على الواجهة الإلكترونية … فإلى
أي النصين التوأمين تنجذبين أكثر؟
ج/ كل وسيط يمنح لنصي الإبداعي والنقدي ألقا خاصا.
نحن محظوظين بهذا الزمن، لأنه يجعلنا نرى إبداعاتنا وأفكارنا تنتشر على واجهات متعددة.
في السابق كنا حبيسي الورقي الذي قد يصل أو لا يصل إلى الآخرين المنتشرين في الأمكنة
والأزمنة. وأحيانا تنشر كتاباتنا ونصوصنا ولا نراها، لكن مع الشبكة العنكبوتية تمنحنا
كتاباتنا السفر الجميل إلى أمكنة لم نكن نحلم أننا سنصلها ذات يوم. والأجمل من هذا،
أن كتاباتنا تصبح جواز سفرنا نحو آخرين لا نعرفهم. كتاباتي على الورق لها نكهتها الخاصة،
وعلى النت نكهة من نوع آخر. أنا لست من النوع الذي يتخلى بسرعة عن زمن عاشه/ يعيشه،
لأني عجينة أزمنة، ولهذا، لا أتخيل نفسي أتخلى عن الورقي والكتابة من خلاله، لأن نصوصي
على الورق لها طعم وألق ورائحة تاريخ، ولا أتصور أني أتخلى عن الوسيط الورقي، كما أني
لا ستطيع التخلي عن الذهاب إلى المكتبات أسبوعيا على الأقل لشراء كتب، والتعرف عن الجديد
في عالم النشر. في ذات الوقت أعيش دهشة خاصة وأنا أقرأ نصوصي على النت، لأني في الوقت
الذي أقرأ فيه نصوصي يكون هناك آخرون يقرأون في ذات الوقت نفس النصوص، وهذا يضمن لنصوصي
الحياة. القراءة هي الماء الذي ينعش الكتابة، والنت حصّنت الكتابة من العطش/ الموت.
في النهاية، نحن محظوظين بوسيطين اثنين يسافران بكتاباتنا نحو الآخر. لهذا، لماذا نسعى
إلى إقصاء وسيط وترك آخر بدون أن يدخل في المنافسة. نحن حين نلغي وسيطا، نلغي في ذات
الوقت حتى الوسيط الذي ندافع عنه، أن تعيش وحدك معناه أن تجعل الآخرين مجرد ظلال لك،
يعني ينتفي وجودنا، لأن وجودنا في النهاية يعني وجود الآخر معنا، لكي نحاوره ونناقشه،
وننافسه ونتجادل معه باللّتي هي أحسن. أنا مع الكتابة من خلال الورقي والشبكي، وأراها
إمكانيات متعددة لوجودي الرمزي ولكتاباتي، حتى لا أختنق في وسيط. المهم ليس الوسيط،
إنما ماذا نكتب؟، وكيف نفكر؟ . الدعوة إلى تعدد الوسائط مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان،
أن يفضل كاتب الكتابة بالورقي فهذا حقه المشروع في الحياة. لا ينبغي باسم التطور التكنولوجي،
أن نجهز على أحقية الناس في اختياراتهم الوسائطية. التعبير الشفهي ما يزال حاضرا، ويحضر
هذه الأيام بقوة، وقوة حضوره تأتي إلى الوعي بحقوق الإنسان. كيف ندافع عن التعددية،
وفي ذات الوقت نمارس الإقصاء. كل شئ جديد هو امتحان لتجربة وعينا ولطبيعة المبادئ التي
ندافع عنها.
5 ـ تثار غالبا إشكالية الخصوصية وعلاقتها بظاهرة
الشبكات الاجتماعية (الفايس بوك ــ التويترــ ) وغيرهما لكن عادة ما يقترن هذا السؤال
بالشخصية الذكورية العربية .. ألا يمكن أن يكون حذر الكاتبة العربية وحرصها على سرية
خصوصيتها امتداد لعقلية (التقية) التي تحكم المجتمع النسائي العربي بشكل عام ؟
ج/ تم التعامل في البداية مع الشبكات الاجتماعية،
في الممارسة العربية بثقافة الاستهلاك، تزامن ذلك مع حاجتنا الكبيرة للتعبير والبوح
والتصريح. كانت هذه المواقع فضاء مثيرا لتجريب الحرية المقيّدة في الواقع العربي سياسيا
واجتماعيا وتربويا، وللتعبير المسيّج بقوانين وأعراف وسلط. لهذا، شكلت المواقع الاجتماعية
زمنا من الكشف، بل الأكثر من هذا، بدأت تشكل ما يسمى ب ” الفرد ” في المنظومة العربية
. لأننا تعودنا، حين نحكي أو نتحدث أن نعبر أو نبدي الرأي أن نستحضر الرقيب بداخلنا،
رقيب أسري أو سياسي أو اجتماعي تربوي ، حتى المؤسسة النقدية أصبحت رقيبا تحضر حين نتحدث
عن نصوصنا ونصوص الآخرين. وضع، جعل الفرد العربي مغيّب حتى إشعار آخر، وذلك بالحضور
القوي لمفهوم الجماعة والحزب والعشيرة والقبيلة والمؤسسة الثقافية التي – مع الأسف-
تشتغل في منطقتنا بمنطق العشيرة، كل من خرج عن تعاليمها/ وصاياها، فهو منبوذ. الإحساس
بالفردية لدى الإنسان العربي وهو يعبر من خلال هذه المواقع الاجتماعية، جعله يعوّض
زمن الصمت، وهي مسألة طبيعية بالنظر إلى شروط ممارسة الحرية في العالم العربي، لكن،
بالتوازي عرفت هذه الممارسة بعض الانحرافات من حيث عدم احترام خصوصيات الآخر. لأننا
عندما نعلي من شأن الفرد، فإننا في ذات الوقت نعلي من شأن الآخر، والإعلان من شأن الطرفين
معا يعني احترام خصوصية كل طرف على حدة. لأن الفردية لا تعني اللعب في منطقة الآخر
بعبث وفوضى ولا مسؤولية، بل عل العكس، أنت كلما أمّنت فرديتك، أمّنت معك الآخر، لأنك
أنت تتحول إلى آخر بالنسبة لغيرك. ولهذا، فاحترام الذات يحصن احترام الآخر لك. ليس
المشكل في طرح الخصوصيات في المواقع الاجتماعية، لكن، المشكل في كيف نفهم نحن هذه الخصوصيات،
وكيف نستثمرها هل بشكل إيجابي أم سلبي. أظن أن التوظيف الإيجابي لهذه المواقع له علاقة
بشروط الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعبير في المجتمعات العربية. عندما نصبح شعوبا
تعيش بمنطق حقوق الإنسان ، وتكون لدينا الضمانات التشريعية والقانونية والثقافية أيضا
للتعبير والإفصاح عن آرائنا، أظن أن هذا الجو سينعكس على ممارسة التعبير في المواقع
الاجتماعية، لأننا ساعتها، لا يكون عندنا مواطنين يتصرفون بمنطق رد الفعل وإنما بالفعل
الذي يعبّر عن سلوكهم السوي.بالنسبة لي، لم أفتح الفيس بوك إلى قبل سنة، بعدها اكتشفت
أني لا أفتحه كل يوم، ربما لأني منشغلة كثيرا ، لدي التزامات علمية منخرطة فيها، وخشيت
أن يأخذني هذا الوسيط عن القراءة والكتابة، لأن القراءة تركيز، والكتابة سفر، لهذا،
أفتحه قليلا لأرى الجديد في عالم المنخرطين في الصفحة. علاقتي بمختلف أشكال الوسيط
الشبكي، هي علاقة استثمار، كل وسيط أتعامل معه من أجل حاجة ضرورية.
6 ـ النص الأدبي الرقمي أو التشعبي أو المترابط من
دون شك سوف يصبح الظاهرة الأدبية القادمة بقوة مع اتساع أسناد التلقي الإلكتروني
.. بحيث ومن دون شك سوف تصير الأدوات والبنيات التفاعلية (روابط .. عقد .. ميديا
.. صور.. ألوان .. مؤثرات فلاش .. إلخ ) جزاءا أساسيا في وحدة النص الأدبي الرقمي ،
لكن بقدرما ستغنيه هذه المؤثرات ألانخشى على كنهه الجوهري من التواري إن لم نقل التلف
؟.
ج/ عندما نشرت كتابي حول” الأدب الرقمي”سنة
2009، كنت أسعى إلى المساهمة في خلق وعي بهذه الثقافة الجديدة التي ينخرط فيها الدرس
الأدبي، وكانت المسألة بالنسبة إلي، التزاما ثقافيا اتجاه هذا التحول الذي يعرفه النص
الأدبي مع الوسيط الرقمي، وكانت نظرية الأدب جوهر الاشتغال على الأدب الرقمي الذي اعتبرته
استمرارا لحالة التبدل التي يعرفها النص الأدبي مع تجدد وسائطه، وقدمت مقاربات نقدية
في نصوص رقمية، وفي ذات الوقت كنت أحاول أن أفهم هذا المنطق الجديد الذي يعرفه النص
الأدبي مع الوسيط الرقمي، فكنت أعيش تحولات في إدراكي للنظرية الأدبية وللنص الأدبي
وأيضا لنظرية القراءة وللخطاب النقدي بشكل خاص، كنت فيما أضع تعريفات جديدة بمكونات
النص الأدبي مع الوسيط الرقمي، أعيش حالة من التحول على مستوي وضعي سواء كناقدة أو
مبدعة للنص السردي. ومن هنا كانت دهشتي مع هذا الكتاب الذي عشت من خلاله لحظة الوعي
الفلسفي بالنظرية الأدبية التي كثيرا ما قرأناها وقرأنا عنها، ولكن لم نعشها عند تحولاتها.
وتوصلت إلى أن النص الرقمي هو فرضية أدبية من الفرضيات الممكنة للنص الأدبي، ومن أجل
الوعي به ينبغي الانخراط فيه، بالكتابة والقراءة، وليس بالتجاهل والإقصاء، لكن في ذات
الوقت اعتبرت أن مكونات العمل الرقمي من رابط وميديا ولغة معلوماتية وبرامج وصور ليس
بمقدورها أن تخلق إبداعية النص، وليس بمقدروها أن تحقق منطق العمل الإبداعي، لهذا لا
ينبغي أن ننبهر بالألوان والصور والإبحار في الروابط ، لأن الوعي بالنص الأدبي الرقمي
لا ينبغي أن يخرج عن نظرية الأدب باعتبارها المؤسسة النظرية التي تحقق الوعي المعرفي
والفلسفي للظاهرة الأدبية. لهذا، أعتبر أن التعامل مع النص الرقمي مسألة أدبية ونقدية،
يجب أن تتم في إطار وعي أدبي ونقدي، حتى لا ينحرف الأدب عن منطقه، ويصبح لعبة تائهة
بين أدوات التكنولوجيا. الأدب جوهره روح الإنسان، ومتى قتلنا هذه الروح قتلنا الأدب.
الوسائط لا تخلق الأدب، الأدب وحده قادر على خلق منطقه.
7 ـ الوجه الحقيقي
اليوم للثقافة العربية أنها مازالت كدود القز ثقافة تقتات على الورق لحبك نسيج هويتها
والعديد من الكتاب والكاتبات مازلن تتلمسن في العتمة ضوء الإنترنت .. ما السبيل إلى
جعلهن ينخرطن بشكل أيسر في الثورة الرقمية والشبكية الراهنة ؟
ج/ الزمن التكنولوجي الذي نعيشه، يفرض علينا الانخراط
في منظومته ومنطقه، حتى لا يلفظنا، ويحولنا إلى كائنات غريبة عنه. وأظن أن المبدع أو
كل مشتغل على الفكر وبالفكر وعلى الكتابة وبواسطتها، أن ينخرط في كل جديد، لأن من طبع
الكاتب المغامرة وركوب الدهشة وتجريبها في كل جديد، حتى يستطيع تأمل الظاهرة وإبداء
الرأي فيها. أما إذا بقي بعيدا، وأعطى وجهة نظر عن مسافة، فإنه يعلن خسارته الرمزية،
ويكشف عن عدم إخلاصه لزمن المغامرة والدهشة. والانخراط لا يعني قبول الظاهرة كيفما
كانت، واستهلاكها، ولكن الانخراط خطوة أولى لتجريب الظاهرة والتعبير عن مكتسباتها أو
إكراهاتها من أجل تصويب الطريق نحوها. لكن، المسألة تعود في النهاية إلى الكاتب نفسه،
وإلى قناعاته، ومفهومه لدور الكاتب في التحولات الوسائطية، والتي تؤثر على المشهد الأدبي
والثقافي. ومدى درجة انخراطه في المناخ العام للممارسة الأدبية، وشكل وعيه بموقعه وحضوره،
وهل يعتبر ذلك مسؤولية ثقافية، أم خيار ذاتي. المسألة أبعد ما تكون من مجرد جهل بثقافة
التكنولوجيا، المسألة أراها مرتبطة بوعي الكاتب بدوره في فضاء الكتابة. مع ذلك، أرى
أن الإكثار من الندوات واللقاءات الثقافية حول هذه الثقافة، ودعوة الكل للحديث عنها،
خطوة من خطوات تصالح الذات مع هذه الثقافة التي هي قادمة بقوة خطيرة، ومن لا يركبها
بوعي، فإنها ستتركه وراءها. الثقافة الرقمية الآن بدأت تجد مكانا لابأس به في البحث
العلمي من خلال وحدات تكوينية بالجامعة، وأيضا عبر أطروحات وبحوث نهاية الدراسة. وأعتبر
أن إدخال هذه الثقافة إلى البحث العلمي يحصنها من كل انزياح، ويساهم في تكوين جيل متخصص
فيها بشكل أكاديمي علمي، مادامت هي ثقافة المستقبل.
8 ـ في رحى هذه الثورات
العربية من المحيط إلى الخليج الكثير ممن يدعون أن الفايس بوك كان هو ذلك الشيطان الكامن
في التفاصيل الذي أضرم النار من تحت أرائك الاستبداد .. هل أنت مع هذا الرأي أم ضده
أم لك رأي آخر؟
ج/نعم، كان شيطانا بالنسبة لأولئك الذين ظنوا أن
الشعوب إحدى ممتلكاتهم، وأن الأوطان ملكيات خاصة، وأن زمنهم زمنا خالدا، وأن الأوطان
تباع وتشترى حسب أمزجتهم، وأن المواطنين أجسادا بدون عقول. أظن أن هؤلاء لم يكن الزمن
التكنولوجي في صالحهم، بل كان نارا أحرقت زيف وطنيتهم، لأنه زمن عرّى وفضح وأزال الغشاء
ومنح المجال لصحو التعبير. إن ما حدث / يحدث في الوطن العربي من حالة صحو مبدعة، أربكت
مختلف التصورات التي جعلتنا في كثير من الأحيان نعلن أننا مجرد مستهلكين للشبكة العنكبوتية،
ونتهم عقلنا وفكرنا بالتبعية، بعدم قدرته على الإبداع التكنولوجي، وأننا مجرد فئران
التجربة لصانعي التكنولوجيا في الغرب. لكن ما حدث ويحدث أبان وبالملموس أن الشباب العربي
طاقة ناضجة، لكنها كانت معطّلة بفعل الفاعل السياسي الذي ظن الخير في الغرب، فأهمل
الشعب، فإذا بالغرب يتخلى عنه عند أول كبوة.الشباب طاقة خارقة تملك من الوعي ما جعلها
تربك حسابات، ليس فقط الساسة و الحكومات و الأحزاب المتخلفة، وإنما حسابات أمريكا وأوروبا.
هذه المرة نستطيع أن نعلن أن ما حدث خاصة في إشعال الثورة بدء من تونس إلى مصر لم يكن
شيئا مدبرا من الخارج، إنما كان ملحمة شعب عرف كيف يدبّر شأن استقلاله الحقيقي. لذا،
لابد من النظر بوعي إلى طريقة استثمار الشباب العربي للمواقع الاجتماعية، بعدما هيمنة
فكرة استهلاك الشباب لغرف الشات، وإدمان الشابات العربيات لغرف الثرثرة بحثا عن الزوج
الراكب جواد النت، ما حدث من استثمار إيجابي للمواقع الاجتماعية من طرف الشباب العربي
الذي أوصل صوته الساخط وقراراته الثورية في زمن مثير، يعبر عن أن الخلل الموجود في
العالم العربي، لم يكن مسألة بنيوية مرتبطة بطبيعة المواطن العربي، وقدرته على التفكير
والتدبير، إنما الخلل موجود في السلط السياسية الحاكمة. نحن نعيش الآن، تحولات في الصور
الجاهزة التي توارثناها عن وعينا وعقلنا، عن شبابنا و شاباتنا، عن الفرد العربي وعن
عقله.المرأة العربية كانت حاضرة بقوة في هذه الثورات وما تزال، أتمنى فقط ألا يجهض
حضورها في زمن الثورات العربية الجديدة، كما تم الإجهاز عن حضورها زمن مقاومة الاستعمار،
لكن هذه المرة نحن الذين سنكتب التاريخ، وستؤمنه الوسائط التكنولوجية الحديثة. نحتاج
فقط الآن إلى ثقافة تحصين هذه الوسائط حتى لا تصبح أداة في يد ما تبقى من شياطين الأمس.
9 ـ ماهو عملك الإبداعي
الأدبي القادم ولمن سيكون السبق في نشره للورق أم للإنترنت ؟
ج/رواية جديدة، انتهيت منها منذ
مدة طويلة، أكثر من سنة تقريبا. لكن، لم أضعها بعد في المطبعة. لا أعرف لماذا. هل بسبب
انشغالاتي العلمية، أم لأني في ذات الوقت أشتغل على كتب نقدية، أم لأن شيئا من الرواية
لم أتخلص منه بعد. لا أدري. كل ما أدريه، أني لا أفتعل لحظة الإبداع، ولا أجري وراء
السرعة في النشر. أعشق لحظة الإبداع، لهذا فأنا حريصة على تحصين لحظة العشق هذه. الجميل
في هذه الرواية، أني كنت أكتبها مباشرة على شاشة الكومبيوتر. مرة واحدة حاولت الكتابة
بالقلم على الورق، فتعثر الحكي. حاولت مرة أخرى، فوجدتني ثقيلة السير في الحكي. فاكتشفت
أن هذه الرواية مخلصة لزمن كتابتها( الشاشة). لكن، الأجمل في المسألة، أني عندما كنت
أكتبها، قد تمضي شهور ولا أفتح صفحاتها من على الكومبيوتر، وعندما أعود إليها، أتذكر
كل شئ، أتذكر الحدث الأخير الذي كنت فيه، وبدون إعادة قراءة السابق، أسترسل في السرد.
هذا ما أشعر به في حال كتابة الإبداع، أن النص مكتوب مسبقا في جزء مني، لا أعرف، في
جسدي، أم روحي، لا أعرف بالضبط، وعندما أبدأ الكتابة، أشعر كأني أغلق عيني وأبدأ في
إعادة كتابة المتناثر في جسدي. الرواية كتبت على الكومبيوتر، لكن ستطبع أولا ورقيا.
كما قلت في البداية، نحن محظوظين بتعدد واجهات الوسائط. أخيرا نشكرك على إستجابتك للدعوة
وسعة خاطرك لتحمل أسئلتنا شكرا لك وللموقع، ونحن بهذا الشكل من التأمل في تجربتنا الإلكترونية،
نتقدم نحو الوعي بهذه الثقافة الرقمية.
0 التعليقات: