عبداللطيف الوراري شــاعر ونـاقد من المغرب :الزلزال، الزلزال !
هذا هو الوسم الذي يمكن أن ننعت به سنة 2011م. مياهٌ كثيرةٌ جرت تحت الجسور
التي تحرّكت عليها الحشود الغاضبة، وأصنامٌ تهاوت بشكْلٍ مُدوٍّ، وعواصف هبّتْ وبشّرتْ
من جهات الصمت المُطْبق. من يوم إلى يوم، كان يسيل الدم، وكلّما سال الدم أزهر في الميادين
والساحات،وارتفعت عرائشه سقفاً من الحبّ والحرية والحياة لا يُحدّ.
لقد عشْتُ جماح هذه الأيّام من السنة غير المسبوقة بجوارحي وأشواقي، وانعكس
تأثيرها اللاهب على شعري بعفويّة، فكتبْتُ، بنفَسٍ ثوريٍّ حيناً وأليغوري رمزي حيناً
آخر، قصائد تُمجِّد ثورات الشعوب العربية. في قصيدة عن ثورة تونس التي انطلقت منها
الشرارة المباركة، كتبْتُ:
“إذا الشّعب يوماً أرادَ الْحَياة
فَلا أَحَدٌ يُوقِف الدّم في أُصُصالشّوْق
لا الخَوْفُ
لا الجُوعُ
لا مَهْرجانات ( يا لَيْلُ طُلْ)
لاالمَتاريسُ
لا لَعْلَعاتُ الرّصاصْ..
عَلى غَدِهِ مالَ نُوّارةً مِنْنُضار
وَآمَن بالشّمْسِ لَـهْ
فَسارَ إلى حُلْمِهِ في نَشيدَالْحَياةْ
وَأَنْزَلَ بِالظالِمينَ الطُّغاة الْقصاصْ
وأَلْقَى بِإيوان (فِرْعونَ) في المَزْبَلَـهْ”.
وفي“الإصحاح السابع” عن ثورة مصر، كتبْتُ:
“لَكُمُ المَجْدُ..
يا أَيُّها الواقِفون!
يتراءى لعَيْنيّ أنَّ البِلادتَفُوحْ
والسّنابِلُ أَعْدلُ هَذا النَّهارَ، فَسُحْقاً
لِقُطّاعِ أَرْضِالسّوادِ، وَبُعْداً لِطُوفان نُوحْ
يتراءى لعينَيّ لا شَيْء، لا شَيْء.
قَدْخَرجُوا
واقِفِينْ
وَعَنْ صَمْتِهِمْ
رُفِع الْحَرَجُ
فَاْدْخُلوامِصْر
يا صُحْبتي
آمِنيـنْ !“
لاح لي، في الأفق، أنّنا في غمار عهْدٍ جديدٍ غاب عنههواء الحرية، لقرون
طويلة. فما حدث من حراكٍشعبّي قاد موجاتٍ من الاحتجاج الاجتماعي العارم، من العراق
إلى المغرب، للمطالبة بالتغيير والإصلاحالمنشودين، لا يمكن ان يوصف بأقل من كونه خرقاً
للعادة ليس في تاريخ الأمّة العربيةوحدها، بل في تاريخ العصر الحديث برُمّته. وهو،
بهذا المعنى، حدثٌ مؤسِّسٌبالمعنيين التاريخي والثقافي ـ السياسي.
هكذا، تتجلّى قيمة هذاالحدث الزلزال في أنّه أطلق إرادات الشعوب العربية
لأوّل مرة، وبدّد غيوماً كثيفةمن مشاعر الإحباط واليأس لدى فئاتٍ عريضة من المجتمع،
بمن فيهم المثقّفون أنفسهم،وبعث الآمال بتأسيس ديمقراطيّات حقيقية تُدشّن لمرحلة جديدة
من الحكامة والعدالة والمساواة والحرية، يقودها المؤمنون بها من إسلاميّين ويساريّين
وعلمانيّين، بلا إقصاء.
أمّا عن الحدث الثقافي المهمّ الذي وسم هذه السنة، فأكاد أزعم أنّه يتوارى
خلف أحداث الفعل السياسي والاحتجاج الاجتماعي، أو في أحسن الأحوال أنّه كان تابعاً
له. والطريف أنّ قطاعاً مهمّاً من المثقفين الذين يفترض فيهم الهجس بالحدث والمساهمةفيه
وقيادته، كان في موقع متأخّر، ووقف عاجزاً لا يكاد عقله يستوعب ما يجري فعلاً؛ بل إنّ
من هؤلاء من سقط شرَّ سقطةٍ،وقام بانقلابٍ مُخْزٍ ضد كلماته في أوّل امتحان حقيقي،
بعد سنوات عجاف من ‘حليةالمحاضرة’ في التنوير والعدالة والحرية.
**
عبداللطيف الوراري
شــاعر ونـاقد
El_ouarari@yahoo.fr
0 التعليقات: